تذكرتُ اليوم أنني مواطن أردني، رغم مقاطعة العمل في الأخبار المحلية التي بدأت قبل عامين، ففي ذلك الوقت هربتُ من المواقع الإلكترونية التي تعرف بالكبيرة، وهربت خارج نطاق حادث في المقابلين، الدفاع المدني ينقذ قطة، هكذا قال سماوي عن العاصفة الثلجية، شاهد بالفيديو كيف هاجم الغول مراهقين في اربد... والخ الخ من احتراف الدكاكين التي كنتُ طرفًا فيها ولا أنكرها.
لا أدري لماذا يستفيق جانب مواطنتي كلما قرأت خبرًا يشي بشيءٍ من الوجع، ذيبان مثلًا التي تنعم بالرغد والرفاه والواسطة، ذيبان التي تحزم أبناؤها بالأسلحة الأوتوماتيكية لأنهم يشعرون بالملل والبطر والنعمة المفرطة، لا لأن أصغرهم ثلاثيني لم يبدأ حياته حتى الآن، لا يملك وظيفة أو مركبة أو بيتًا يسكن إليه مع أردنية متعبة لتكون زوجته، وهذه عقبات بسيطة، والطامة أن ابن ذيبان لم يشتر لمرة واحدة صندوق برتقال أو صفط هريسة ودخل به على بيت عائلة بإشارة منه إلى شعوره بالمسؤولية وتكاتفه مع عناء أهله وهو يساعدهم.
كل هذه التعب وتلك الهموم القائمة على ثمن علبة سجائر وتكاليف شحن رصيد الهاتف والمصروف الشخصي وثمن زجاجة عطر أو هدية لحبيبته التي ابتلاها ربها بحب ذيباني مُتعب من مؤسسات دولته وعناء السخط على أهله وظلم التنافسية الغائبة والفرص المبتورة باسم وزير يوظف الأغبياء ويتناسى من باعوا الأرض والمركبة ليعلموا أبناؤهم الاقتصاد والتصميم وركوب خيل الحياة بشرف وتضحية وراتب تقاعديّ.
بعض أهالي المعتصمين في خيمة الملل الوطني كانوا معلمين وأطباء ومهندسين وعسكريين وحرفيين خدموا هذه الدولة وصنعوا الكثير لها، واليوم يستقبلون قرة أعينهم بضربات الدرك والملابس الممزقة والغاز الذي أساء لصحون عيونهم وأحداقهم الوطنية الجميلة.
كأنني بمدير الحملة الأمنية يقول ما قاله صدام حسين عندما رفض الأكراد التصويت له : جيبوهم وخلهم يعبرون الليل والجبال .. حركوا الدبابات، لكن ذيبان ليست حلبچة ولا يمكن أن نصفها بوصف ما حدث في زمن أنفال العراق، ذيبان غرةٌ أردنيةٌ تضج بأصوات العمات والجدات والخالات والشباب المعروفين بالطول والوجوه السمراء والأناقة والتهذيب العشائري في زواياه الجميلة، ذيبان المعروفة بأسوار البيوت الواطئة، فيعرف الذيبانيون موعد تفتح الزهور وتلألأ القمر دون العودة إلى الروزنامه، ويعرفون طبع الخيل والليل والبيادر وطقوس الإبل وجماليات الشبابة والأخرفة.
يكتبُ الصحفي الإلكتروني عن خيمة ذيبان خارجون على القانون والخلاف قائم على هذا القانون وعلى صيغة الجملة بين عن القانون أم على القانون!، لكن، والحق أقول لكم، هم في القانون، تمامًا كأن تقول: فلانٌ من الكرام أم في الكرام، وكُلُهُم كرام، والله ما غرد الحمام وما انسلخ الليل من النهار، هُم كرام. بل كرامٌ هم ما دامت نظرية تقديم المُحبّب سارية في غرةٍ مثل ذيبان.
هذا الصحافي المزور يرى القضية من منظور مدير تحريره الذي تفوق غرابته غرابة الإبل الصادرة، وهما يحققان رؤية رئيس التحرير الذي يجهل جغرافية هذا الوطن، تمامًا كالناشر الذي لا يميز مناخات الخبر وتقاطعات المادة الصحفية مع نسيجنا الوطني ومهنيتنا الغائبة كصحفيين نطارد السراب بحثًا عن شفاء الغُلَة.
اتركوا ذيبان، اتركوها فإنها مأمورة باسم الظلم الذي حثّ شبابها على ترك بيوتهم ومكوثهم في خيمة تشبة قبة الأدم التي كان يجلس فيها نابغة ذيبان محكمًا بين الأعشى الذي يتوفر اليوم بكامل مهابة عمّاه وحسان الذي ينوب عن أبواق الأنظمة والخنساء التي هي الممثل الشرعي لما هم فيه.
ذيبان لينا وحقك علينا كما قال الأردني المُتعب، وذيبان لا تسمح لخبيث أن يدس السُم في طبق تظاهرهم النظيف.