ذيبان .. غربةُ الخنساء ونعشُ الصحافة

mainThumb

25-06-2016 02:55 AM

تذكرتُ اليوم أنني مواطن أردني، رغم مقاطعة العمل في ‏الأخبار المحلية التي بدأت قبل عامين، ففي ذلك الوقت هربتُ ‏من المواقع الإلكترونية التي تعرف بالكبيرة، وهربت خارج ‏نطاق حادث في المقابلين، الدفاع المدني ينقذ قطة، هكذا قال ‏سماوي عن العاصفة الثلجية، شاهد بالفيديو كيف هاجم الغول ‏مراهقين في اربد... والخ الخ من احتراف الدكاكين التي كنتُ ‏طرفًا فيها ولا أنكرها. ‏
 
لا أدري لماذا يستفيق جانب مواطنتي كلما قرأت خبرًا يشي ‏بشيءٍ من الوجع، ذيبان مثلًا التي تنعم بالرغد والرفاه ‏والواسطة، ذيبان التي تحزم أبناؤها بالأسلحة الأوتوماتيكية ‏لأنهم يشعرون بالملل والبطر والنعمة المفرطة، لا لأن ‏أصغرهم ثلاثيني لم يبدأ حياته حتى الآن، لا يملك وظيفة أو ‏مركبة أو بيتًا يسكن إليه مع أردنية متعبة لتكون زوجته، وهذه ‏عقبات بسيطة، والطامة أن ابن ذيبان لم يشتر لمرة واحدة ‏صندوق برتقال أو صفط هريسة ودخل به على بيت عائلة ‏بإشارة منه إلى شعوره بالمسؤولية وتكاتفه مع عناء أهله وهو ‏يساعدهم. ‏
 
كل هذه التعب وتلك الهموم القائمة على ثمن علبة سجائر ‏وتكاليف شحن رصيد الهاتف والمصروف الشخصي وثمن ‏زجاجة عطر أو هدية لحبيبته التي ابتلاها ربها بحب ذيباني ‏مُتعب من مؤسسات دولته وعناء السخط على أهله وظلم ‏التنافسية الغائبة والفرص المبتورة باسم وزير يوظف الأغبياء ‏ويتناسى من باعوا الأرض والمركبة ليعلموا أبناؤهم الاقتصاد ‏والتصميم وركوب خيل الحياة بشرف وتضحية وراتب ‏تقاعديّ. ‏
 
بعض أهالي المعتصمين في خيمة الملل الوطني كانوا معلمين ‏وأطباء ومهندسين وعسكريين وحرفيين خدموا هذه الدولة ‏وصنعوا الكثير لها، واليوم يستقبلون قرة أعينهم بضربات ‏الدرك والملابس الممزقة والغاز الذي أساء لصحون عيونهم ‏وأحداقهم الوطنية الجميلة. ‏
 
كأنني بمدير الحملة الأمنية يقول ما قاله صدام حسين عندما ‏رفض الأكراد التصويت له : جيبوهم وخلهم يعبرون الليل ‏والجبال .. حركوا الدبابات، لكن ذيبان ليست حلبچة ولا يمكن ‏أن نصفها بوصف ما حدث في زمن أنفال العراق، ذيبان غرةٌ ‏أردنيةٌ تضج بأصوات العمات والجدات والخالات والشباب ‏المعروفين بالطول والوجوه السمراء والأناقة والتهذيب ‏العشائري في زواياه الجميلة، ذيبان المعروفة بأسوار البيوت ‏الواطئة، فيعرف الذيبانيون موعد تفتح الزهور وتلألأ القمر ‏دون العودة إلى الروزنامه، ويعرفون طبع الخيل والليل ‏والبيادر وطقوس الإبل وجماليات الشبابة والأخرفة. ‏
 
يكتبُ الصحفي الإلكتروني عن خيمة ذيبان خارجون على ‏القانون والخلاف قائم على هذا القانون وعلى صيغة الجملة ‏بين عن القانون أم على القانون!، لكن، والحق أقول لكم، هم ‏في القانون، تمامًا كأن تقول: فلانٌ من الكرام أم في الكرام، ‏وكُلُهُم كرام، والله ما غرد الحمام وما انسلخ الليل من النهار، ‏هُم كرام. بل كرامٌ هم ما دامت نظرية تقديم المُحبّب سارية ‏في غرةٍ مثل ذيبان. ‏
 
هذا الصحافي المزور يرى القضية من منظور مدير تحريره ‏الذي تفوق غرابته غرابة الإبل الصادرة، وهما يحققان رؤية ‏رئيس التحرير الذي يجهل جغرافية هذا الوطن، تمامًا كالناشر ‏الذي لا يميز مناخات الخبر وتقاطعات المادة الصحفية مع ‏نسيجنا الوطني ومهنيتنا الغائبة كصحفيين نطارد السراب بحثًا ‏عن شفاء الغُلَة. ‏
 
اتركوا ذيبان، اتركوها فإنها مأمورة باسم الظلم الذي حثّ ‏شبابها على ترك بيوتهم ومكوثهم في خيمة تشبة قبة الأدم التي ‏كان يجلس فيها نابغة ذيبان محكمًا بين الأعشى الذي يتوفر ‏اليوم بكامل مهابة عمّاه وحسان الذي ينوب عن أبواق الأنظمة ‏والخنساء التي هي الممثل الشرعي لما هم فيه.‏
 
‏ ذيبان لينا وحقك علينا كما قال الأردني المُتعب، وذيبان لا ‏تسمح لخبيث أن يدس السُم في طبق تظاهرهم النظيف.‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد