مع تجاربنا المتكررة للانتخابات على مدى 25 سنة، أيقنت أن هناك شيطانا للانتخابات، وهذا الشيطان مهمته اقناع المتطلعين للنفوذ والأضواء، بأن يقدموا ويقتحموا غمار الانتخابات.. كنوع من الفتنة التي يستمتع بها الشيطان، فيبدأ يصور لهم أن الأمر في أيديهم فلا يتركونه يذهب ويضيعون الفرصة الذهبية، وهذا الشيطان يبقى معهم ويسهل لهم الأمر، ويغريهم بكل وسائل الايضاح الى أن يوصلهم الى حافة الرسوب، وهناك يتركهم يلاقون مصيرهم، ثم يولي هاربا يقهقه من جهلهم!! و قبل أن يتنصل من فعلته، يقنع الشخص الراسب أن جهة معينة أو مجموعة، أو شخص وراء رسوبه، فيصنع من الراسب نفسية حاقدة على كل من حولها وعنصر هدم في المجتمع..
الشيطان يبدأ اقناع الشخص بانه هو من يستحق ان يكون نائبا! وإن اعترض المستهدف لأمر ما، يسهل له كل الصعاب!! فكل الصعاب يمكن ان يتغلب عليها خلال أسبوع، فالخجل من الجموع، والهيبة من الحديث، وقلة الثقافة السياسية، وعدم الخبرة بالمجتمع، وبعض المشاكل النفسية، كاللعثمة عندما تتجه العيون اليه، والتعرق الشديد، والصمت الذي يعتريه اذا أرخى المستعمون آذانهم اليه، كلها يستطيع التغلب عليها مع الأيام عن طريق الممارسة العملية..
أما الشخصية والرصانة .... فأنت رأيت المجلس السابق فحتما سيكون أداؤك أفضل من كثير ممن رأيتهم في المجلس، فلا ينقصك الصوت العالي لتزاحم الآخرين في المعامع، ولا ينقصك العناد ولا العنجهية ولا التهور أو الزعرنة لتكون نجما في البرلمان، ولا يقلقك الأمر من ناحية عدم فهمك في التشريعات أو القانون، وأنك لم تطلع على الدستور ولا على قصة روبنسون كروزو، فستجد من يتبرع لك بكل ما تريد.. من قبيل ماذا تقول في المداخلات البرلمانية، وكيف تصوت! وان شئت أن تتحدث يقدم لك الكلمة، وإن شئت أن تحصد الأضواء والشهرة فستجد لك عرابا يعطيك أفكارا جنونية تجعلك نجما خلال أشهر.
المهم تقدم وسترى كيف يذعن لك الناس ويكبرونك، ويهشون لك ويبشون،وأنت في سيارة المجلس الفخمة، وكيف سيسطع نجمك على الشاشة الوطنية وفي الجاهات، وكيف ستتحدث عنك النساء في مواقع التواصل، ويتبادلن صورك مع عبارات الاكبار وكيف يخلعن عليك عبارات الرجولة، كلما خرجت من " هوشة " تحت القبة، وقد تحضى ب"الزغاريد" إن أقبلت الى عرس على النمط القديم،.. فتصور شعورك لحظتها..انها أشياء لا تشترى!!.
إياك أن تستمع الى "المتزمتين" و"المتفذلكين" الذين يتحدثون عن وطن وعن أمة، وعن دولة لها سيادة، وعن حقوق المواطن، وعن المواقف المبدئية، فالأمة أنت والوطن أنت، والعزة هي: كم تحصد من الأموال، والوطن ما هو الا الوسط الذي تعيش فيه يومك، وعلاقاتك التي تجمعك مع المسؤولين والوجهاء في المراسم والجاهات، فكن دبلوماسيا ومطيعا، تبقى أطول مدة تحت الأضواء وتحصل على الهبات وتنال الرضا من أصحاب النفوذ.
والحياة تتوقف على كلمة منك،..قررت أن أرشح نفسي.. افعلها! وستنثال عليك الحياة، لاتفكر بغير هذه الايجابيات، لا تفكر بالمنافسين فهم لا شيء- والناس كلها معك-، وانس لحظة النتائج، فطاقتك الايجابية ستصنع لك النجاح، وإن لم تصنعه ستبرر لك الرسوب بطريقة لا تخلو من عزة وإباء وكرامة.
جلس الشيطان يراقب يوم الانتخابات، وهو سعيد، واخذ يترحم على من يدير الانتخابات في العالم والعالم العربي، فالانسان طوّر عمله وسهله في جميع جوانب حياته، حتى أنه لم يبخل على الشيطان في الدعم لتطوير عمله، وكان اختراعه العجيب هو الانتخابات، التي اختصرت على الشيطان مسافات، لم يكن له أن يقطعها نحو افساد المجتمعات، لولاها..