الاتحاد الأفريقي ونهاية الحرب الباردة - إدريس الكنبوري

mainThumb

23-07-2016 09:49 AM

كان سقوط جدار برلين عام 1989 إيذانا بنهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي على الصعيد الأوروبي، وفي العام 1991 شكل تفكك الاتحاد السوفييتي شهادة وفاة لها على الصعيد الدولي ونهاية حقبة يالطا وتوافقاتها؛ ولكن الخارطة الهندسية والترتيبات التي صنعتها أربعة عقود ونيف من الانقسامات الدولية والإقليمية بقيتا مستعصيتين على الهدم، بحيث ظل منطق الحرب الباردة قائما في عدد من الأقاليم ومن بين هذه الأقاليم، بل أهمها، التي بقي فيها ذلك المنطق سائدا شمال أفريقيا.
 
 
 
لا أحد يجهل مدى الجناية التي حصلت في المنطقة، جراء الحرب الباردة، والتي دفعت الشعوب ثمنها باهظا، فقد كانت القارة الأفريقية والشطر الشمالي منها بوجه خاص، أكثر من دفع الكلفة على شكل خصومات وتجزئة طيلة ما يزيد على 40 عاما. وخلال هذه المدة الطويلة كانت منطقة المغرب العربي بمثابة الرجل المريض في المنطقة، بفعل النزاع الذي تم اصطناعه ما بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء، وما ترتب عليها من سياسات محلية في هذا الجانب أو ذاك، انعكست على أوضاع المنطقة برمتها. وفي حين كانت الأزمات الأخرى في القارة الأفريقية خلال تلك الفترة تشهد حراكا بين الحين والآخر، وسُجل في عدد من الملفات تقدم ملحوظ بعد زوال الحرب الباردة، وبقيت قضية الصحراء ثابتة في مكانها منذ العام 1991 على الأقل، عندما أعلن عن وقف إطلاق النار ودخول الأمم المتحدة على خط النزاع.
 
 
 
الاعتراف بجبهة البوليساريو، التنظيم المسلح الذي يطالب باستقلال الصحراء المغربية، عضوا في منظمة الوحدة الأفريقية عام 1984، كان عنصرا من عناصر الهندسة التي قامت بفعل مناخ الحرب الباردة. في تلك الفترة كان المنطق يغلّب كفة الميليشيات على كفة الدولة، لأن المناخ كان حابلا بالخطابات الثورية والانقلابات والثقة في المنظمات “الطليعية”. ولم يكن صعبا على جزائر تلك المرحلة، التي كانت تقود سياسة إقليمية تمجد العالمثالثية والاشتراكية، أن ترى في احتضان جبهة البوليساريو داخل المنظمة الأفريقية بديلا مفترضا عن المغرب، وغالب الظن أنها كانت تدرك بأن هذا الأخير سوف يغادر المنظمة احتجاجا، ما يترك المجال فسيحا أمام النموذج الثوري الجديد المفترض.
 
 
 
هذا ما حصل بالتحديد في نفس العام. فقد تخلى المغرب عن مقعده الذي بقي شاغرا لأزيد من عقدين من الزمن، وولى الملك الحسن الثاني وجهه ناحية أوروبا بعد أن خذلته أفريقيا. وقد اعتقد الملك الراحل، لما عرف به من حنكة في إدارة الأزمات، أن نهاية منطق الحرب الباردة باتت وشيكة، ما يمكن أن يقنع بلدان المنطقة بالتخلي عن مخلفات تلك المرحلة والتقدم نحو تعامل جديد مع الصراعات الإقليمية، لذلك دعا في وقت مبكر إلى بناء اتحاد مغاربي، أعلن عن إنشائه رسميا بمدينة مراكش في فبراير 1989، قبل عشرة أشهر من سقوط سور برلين. باقي القصة معروف، فالاتحاد ظل حبرا على ورق، يتوفر على هيكلة قائمة ويعقد اجتماعاته وقممه الدورية حين يتم تذكّره، لأنه ولد فاشلا منذ البداية بسبب عدم استعداد النظام الجزائري لإدخال جرعة من الواقعية في سياسته الإقليمية.
 
 
 
وبعودة المغرب اليوم إلى مكانه الطبيعي في الاتحاد الأفريقي، باختيار التوجه بخطاب ملكي إلى القمة رقم 27، بعد 32 سنة من القطيعة، والتعبير عن عزمه على استعادة موقعه داخل الاتحاد، يكون قد أدرك بأن المنطقة تعيش مخاضا جديدا غير مسبوق، وبأن منطق الحرب الباردة انتهى إلى غير رجعة، وبأن الأوان قد حان لكي يخوض مجازفة كبرى من شأنها أن تؤدي إلى قلب موازين القوى داخل الاتحاد، بالنظر إلى حصيلة المكاسب الدبلوماسية التي راكمها طيلة العقدين الماضيين على مستوى القارة، والتي تؤهله اليوم ليكون فاعلا مؤثرا لا مجرد ضيف مرحب به.
رسالة العامل المغربي الملك محمد السادس اتسمت بالجرأة من خلال مطالبة الاتحاد بالتخلص من “مخلفات الزمن البائد”، وطرح التساؤل التالي “أليس الاتحاد الأفريقي في وضعية تعارض واضح مع الشرعية الدولية؟ فهذا الكيان المزعوم ليس عضوا في منظمة الأمم المتحدة ولا في منظمة التعاون الإسلامي ولا في جامعة الدول العربية ولا في أي هيئة أخرى، سواء كانت شبه إقليمية أو إقليمية أو دولية”.
 
 
المغرب نهج خلال العقد الأخير، في ملف الصحراء، سياسة مختلفة تماما عن السياسة التي نهجها في العقود الماضية، إذ انتقل من الدفاع إلى الهجوم. وكانت البداية عام 2007 عندما اقترح المغرب مبادرة للحكم الذاتي في الصحراء التي لقيت تجاوبا واسعا من لدن الأطراف الدولية المتدخلة في النزاع، لكونها الحل الأقرب إلى الواقعية الذي ينهي وضع اللا حرب واللا سلم؛ وقد أصبحت هذه المبادرة اليوم هي الإطار الذي يتحرك فيه ملف الصحراء. وباتخاذ المغرب لهذه المبادرة الجديدة إزاء الاتحاد الأفريقي، يكون قد خطا خطوة ثانية في طريق الهجوم.
 
 
 
ومنذ اليوم، سيصبح مصير جبهة البوليساريو محسوبا، فالتعايش بين المغرب وبينها لن يكون ممكنا داخل الاتحاد، وستجد البوليساريو نفسها في مأزق بين التنكر للشرعية الدولية والاعتراف بوضعية غير سليمة من الناحيتين القانونية والأخلاقية. والمؤكد أن عودة المغرب إلى الاتحاد ستكون دعما آخر لقضية وحدته الترابية، من خلال إسماع صوته داخل نادي الدول الأفريقية.
 
 
 
*نقلاً عن "العرب"ش


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد