وأد الفتنة الطائفية في مصر - محمد أبو الفضل

mainThumb

25-07-2016 09:12 AM

وأد الفتنة الطائفية عملية على غاية من الأهمية، لسد واحدة من الثغرات الخطيرة التي يمكن أن تعكر الصفو الأمني الذي لاح في الأفق خلال الأسابيع الماضية، وهو ما يتطلب رؤية واضحة ومحددة لحل الأزمة من جذورها ومنع تجددها.
 
 
 
الأيام الماضية شهدت تسخينا للفتنة الطائفية في مصر، تمثل في اعتداءات متقطعة على مواطنين أقباط أو ممتلكات تخص بعضهم، بصورة دفعت قوى متباينة إلى الاستفادة من الأحداث ومحاولة توظيفها سياسيا، إما بتوجيه انتقادات للنظام الحاكم وإجبار الأقباط على التخلي عنه، وإما تحريض دوائر خارجية لتوجيه اللوم له، أو إشاعة خطاب الكراهية بين جميع المواطنين.
 
 
 
في كل هذه الحالات تبدو محاولات تقويض النظام ليست خافية على أحد، فالمحافظات التي تناثرت فيها مقدمات الفتنة، مثل المنيا والإسكندرية وبني سويف، تنشط فيها عناصر محسوبة على التيار الإسلامي، وهو ما جعل الكثيرين يعتقدون أن الفتنة مقصودة وتنطوي على أغراض سياسية، تتعلق بتهيئة بيئة مواتية، لزيادة عوامل الارتباك التي يعاني منها النظام المصري.
 
 
 
التشخيص المبدئي لا يشي بأن هناك خصومة حقيقية بين الأقباط وعموم المصريين من المسلمين، وأن ما يظهر على السطح من ملامح فتنة له أسباب منطقية، بعضها يرجع إلى حساسية تاريخية يتعامل بها متشددون إسلاميون مع الأقباط، وتتولد عنها اشتباكات متفاوتة، وبعضها له علاقة بالأجواء المحلية، حيث انتشار الشائعات وتراخي الجهاز الإداري، وانعدام القدرة على الخيال، واللجوء إلى المسكنات والجلسات العرفية، التي تنتهي غالبا إلى تهدئة مؤقتة.
 
 
 
غياب القانون، منح بعض الأشخاص فرصة gلاستمرار في الممارسات الخاطئة عن عمد، بما يعيد الأزمة إلى سيرتها الأولى، وفي كل مرة تكاد تكون الأسباب واحدة، وتدور في فلك قبطي يسعى إلى تحويل داره إلى كنيسة، أو قبطي على علاقة بفتاة مسلمة، ثم يستنفر عدد من شباب المسلمين للفتك به وأسرته. القصة ممجوجة ومكررة، مع ذلك جعلت بعض الأقباط يوجهون اللوم للحكومة المصرية، التي تتلكأ في إقرار ما يسمى بقانون “الكنائس الموحد” الذي كان من المفترض أن يحتل أولوية على أجندة البرلمان، لكن اختفاءه في ظروف غامضة أو إخفاءه بصورة متعمدة، فتح الباب لزيادة وتيرة الاعتداء على الأقباط، لشعور الحكومة أن إقرارها له لن يكون رادعا للفتنة، وقد يفتح أمامها بابا يصعب إغلاقه لاحقا.
 
 
 
الحكومة وجدت نفسها بين فكيْ رحى، أقباط غاضبون يرون من حقهم حرية بناء الكنائس، على غرار حرية بناء المساجد، وبين جماعات متطرفة يمكن أن تتخذ من القانون ذريعة للمزيد من تأجيج الفتنة، وتصوير الحكومة على أنها منحازة للأقباط، حيث أوصت البرلمان على تشريع قانون عجزت حكومات سابقة عن إصداره.
 
 
 
من هذه الزاوية، فضلت الحكومة تجاهل الحديث عن القانون، الذي تعتبره قطاعات قبطية عديدة مهما ومحكا أو اختبارا رئيسيا للنظام الحاكم الموصوف بأنه “قريب من وجدان غالبية الأقباط” بعد دورهم الداعم لثورة 30 يونيو 2013، والتأييد الجارف للرئيس عبدالفتاح السيسي.
 
 
 
الصمت الذي خيم على نسبة كبيرة من الأقباط، لم يمنع بعض حكمائهم من الخروج عنه، والضجر من المرونة التي يتعامل بها مسؤولون في الحكومة المصرية مع الأزمات المتتالية، حيث يريدون إخمادها بالطرق التقليدية التي تنحو وجهة اجتماعية دون تكبد عناء الحرص على تطبيق القانون، ما أدى إلى شعورهم بالغبن، وأن الحكومة مرتاحة لهذه المناوشات.
 
 
 
عندما بدأت تتسع معالم الفتنة وجه الرئيس السيسي كلمة مقتضبة أخيرا، هدفها احتواء الأزمة وفقا لأسس المواطنة للجميع، وتنفيذ القانون، وبدا من التصرفات التالية لخطابه أن هناك شعورا بالقلق يراود عددا كبيرا من المسؤولين خوفا من انفلات الأزمة.
 
 
 
الخوف ينبع من جانبين، أحدهما إمعان بعض المتشددين في تكرار اعتداءاتهم على مواطنين أقباط، بما يضاعف من مظاهر الفتنة، ويخرجها عن نطاق المحافظات الثلاث التي تنحصر فيها حاليا، خاصة أن جميع المحافظات المصرية يعيش فيها الأقباط والمسلمون جنبا إلى جنب منذ عقود طويلة، وفي هذه الحالة يمكن أن تشتعل النيران في مناطق غير متوقعة.
 
 
 
الوصول إلى هذه النقطة لن يكون بعيدا وفقا لتقديرات أمنية، بعد أن أصبح التسخين على قاعدة الأقباط هدفا لدى مناهضي النظام، لتكون الفرصة مهيئة لعودة الغضب إلى الشوارع، وتضطر أجهزة الأمن للاشتباك مع المواطنين، مسلمون وأقباط، ويبدو المشهد في النهاية مقدمة لاندلاع موجة جديدة من العنف، تسعى جماعة الإخوان وحلفاؤها إلى توظيفها دعائيا.
 
 
 
هذا السيناريو لا ينفصل عن الجانب الآخر للخوف، إذ يؤدي الوصول إلى هذه النقطة، وربما قبلها، إلى فتح المجال لتنديدات دولية من قبل منظمات حقوقية، بذريعة تعرض الأقباط إلى انتهاكات على يد جهاز الأمن المصري، بالتالي تعريض النظام الحاكم لاتهامات مختلفة، جميعها يصب في خانة عدم القدرة على حماية الأقباط.
 
 
 
المثير أن هذا الملف كان طوال العقود الماضية، في عهدي الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك، مدخلا للفتنة الطائفية في مصر، وأداة لتوجيه اللوم السياسي، ومع أن أنصار جماعة الإخوان قتلوا العشرات من الأقباط، وأحرقوا نحو ستين كنيسة، غالبيتها في المنيا بجنوب مصر، عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس 2013، غير أن الجماعة لم تتلق لوما من قبل المنظمات الحقوقية الدولية وجرى تجاهل جميع الأفعال الإجرامية.
 
 
 
لذلك تخشى بعض الدوائر المصرية، من استغلال بعض الجهات الخارجية الأحداث المتفرقة التي تستهدف أقباطا، وتبني عليها تصورات سياسية، بعد أن أخفقت الكثير من وسائل الضغط على النظام الحاكم في تغيير مواقفه، وإجباره على الرضوخ لمطالب تتعلق بالمصالحة مع الإخوان، والسماح بعودة انخراطهم في الحياة السياسية.
 
 
 
يبدو وأد الفتنة الطائفية هذه المرة عملية على غاية من الأهمية، لسد واحدة من الثغرات الخطيرة التي يمكن أن تعكر الصفو الأمني الذي لاح في الأفق خلال الأسابيع الماضية، وهو ما يتطلب رؤية واضحة ومحددة لحل الأزمة من جذورها ومنع تجددها، حتى لا تكون منغصا دائما في الجسد المصري.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد