هاجس - ريم قيس كبّة

mainThumb

27-07-2016 10:02 AM

ألم أكن وحدي قبل أن أراه وقبل أن ترتمي روحي بين أحضان روحه؟.. فلمَ لا أعود كذلك إذا حكم القدر علينا بالفراق؟..

 

 

 

يستفيق الهاجسُ: “ماذا لو.. ؟”.. لكنني أُشيحُ بأفكاري لأطردَ شكّي بكَ وبنفسي.. فالعشق أكبر مني وأنت أدرى بهذا السرّ الخطير الذي تمنيت من صميم ندمي لو أنني لم أبحْ به إليك!..
 
 
يكمنُ لي الهاجسُ مرة أخرى ليتجسّد قلقي بكاملِ عدّته وعتاده شاهراً عبارتهُ بوجه غفلتي وبسخرية العارف: “ماذا لو انتهى كل شيء؟”.. أقول لنفسي، أُطمئنها أنْ كل شيء لمنته.. فلم تكن أنتَ البداية ولا أنا كنتـُها حين التقينا ذات ساعة أسطورية عند مفترق طريقين شقتهما غربة وعبّدهما ضياع.. وليس بمستحيل على القدر أن يفرق بيننا تحت ألف ذريعة وسبب لنمضي كلٌ في طريق..
 
 
 
اُحاول أن أستجمعَ كل ما تبقـّى فيّ من منطقٍ لم يأتِ عليه جنوني بك.. وأروح أُجادلُ هاجسي بأقصى ما ملكتهُ تجاربي من خيبات: “دوامُ الحالِ من المحال يا سوء الظن.. وقد يأخذ مني حبيبي القدر أو الملل أو التخاذل.. قد يجد وطناً غيرَ قلبي فيسكن إليه بعيداً عني..”
 
 
 
ويعيد عليّ هاجسي عبارته بتحدٍ وبابتسامة ساخرة: “وماذا لو حدث ذلك؟.. هل ستكونين هادئة عاقلة تتلقى الصدماتِ بروح رياضية عالية؟.. هل يمكن أن تستجيبي للفقد مثل تمثال شمع لا تحركه المشاعر؟.. هل يمكن أن تعودي ببساطة إلى العيش وحدك واحدة مفردة بعد أن ذاقت حواسك طعم نبيذ العيش معه؟”..
 
 
 
وأرد بتحدٍ أكبر: “ألم أكن وحدي قبل أن أراه وقبل أن ترتمي روحي بين أحضان روحه؟.. فلمَ لا أعود كذلك إذا حكم القدر علينا بالفراق؟.. لقد كنت ومازلت أزعم أنني أقوى حتى من نفسي.. ولن أدعي بأنني سأموت بعده.. وبرغم أن العشق أكبر مني وقد يجن جنوني إذ يغيب.. قد أضعف وقد أتداعى وقد يستبدّ بي الحزن والوحشة وأفقد طاقة صبري على الاحتمال.. بيد أني في النهاية سأعود لأكون نفسي لا محالة.. وبعيداً عن كل ذلك.. فما يهمني الآن جداً هو ما يحدث الآن!”..
 
 
 
- “الآن؟.. منذ متى وأنتِ لحظيّـة آنيـّة لا يستفز حنينكِ الماضي ولا يقلقك الآتي؟!”
 
 
 
- “من الآن فصاعداً أيها الوسواس.. هكذا علمتني الحياة بعد صبرٍ وموتٍ وحروبٍ طالت.. أملك حواسّ خمساً أستطيع بها أن أحيا بكل طاقة قلبي على الفرح والحب والعطاء.. أستطيع أن أفعل ما هو مطلوبٌ مني بينما أدندن كما تحلو لي موسيقى أيامي في كل ما يتبقى من الوقت.. أستطيع أن أبدع وأن أتألق وأن أقرأ وأتعلم وأستمتع وأستفيض وأنا أنهلُ من نبع جمال منحته لنا الحياة برغم قسوتها.. فالعمر أقصر من أن أحياه صغيراً مختزلاً لا يتسع لسوى رجل!”..
 
 
 
فيضحك ساخراً ويصرّ: “وتستطيعين العيش بدونه؟”.. فأرفع رأسي وأردّ بصلابة الواثق: “نعم.. أستطيع.. وأملك قراري..” ويبادر: ” تملكين القرار ربما.. لكن ماذا عن التنفيذ؟”.. وأرد: “التنفيذ صعب لكنه ليس بمستحيل.. ثم أن وجودك أمامي هو الذي سيجعل الفقد ممكناً.. أما تجاهلي لك وتجاوزك بل وإلغاؤك بقرار فسيجعلني أكثر تفاؤلا وإصراراً.. وسيبعد عني شبح الفقد والحيرة.. الأرض حولي حبلى بالعطايا.. ومادمت أزرعُ حباً وعطاءً فلن أحصد غير الحب والعطاء.. وليكن الآخر ما يكون.. ولتنتهي قصتنا عند أي مفترق يختاره القدر لنا.. ستكون تلك نهاية قصة.. وليست نهاية حياة..”


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد