نحو ثورة شعرية - أبو بكر العيادي

mainThumb

28-07-2016 09:45 AM

لئن تقلّص عدد قرّاء الشعر في العالم، نتيجة عوامل كثيرة أهمّها طغيان الأدب السرديّ ومنافسة المحامل الإلكترونية، فإن الشعراء لم ينقطعوا عن القريض، لكونه فنّ رؤية ومعرفة وحياة.
 
 
 
 
ما نفعُ الشعر في هذه المرحلة المتّسمة بتغوّل الليبرالية، واستشراء العنف والتعصّب، وسيادة عولمة متوحّشة لم تُفلح حتى الدول الصناعية الكبرى في اتقاء جرائرها؟ هل يمكن الإقامة في العالم على نحو شاعريّ، كما دعا إلى ذلك هولدرلين قبل قرنين تقريبا، في ظل أزمات سياسية واقتصادية تجعل السعي لتأمين الوجود مقدَّما على الشّعر؟
 
 
 
 
لئن تقلّص عدد قرّاء الشعر في العالم، نتيجة عوامل كثيرة أهمّها طغيان الأدب السرديّ ومنافسة المحامل الإلكترونية، فإن الشعراء لم ينقطعوا عن القريض، لكونه فنّ رؤية ومعرفة وحياة.
 
 
 
ولكنهم في الآن نفسه، ظلوا يبحثون عن سبل لتطوير أدواته، ولمَ لا الثورة على أنساقه، إذ ثمة الآن حاجة ملحة إلى الحس والمعنى، كنتيجة للخيبات ونهاية الأيديولوجيات إضافة إلى فقدان الثقة في السياسة، واختلاط القيم على نحو ما عاد يُعرف فيه الحقّ من الباطل.
 
 
 
وإذا كان بمقدور الرواية أن تصور كل ذلك وتحلل عناصره، فإن التقاط الجمال فيه لا ينهض به سوى الشعر، لأن الشاعر الحق قادر على أن “يرى الكونَ في حبّة رمل” بعبارة وليم بليك، وأن يُحدث في أعماقنا تحولاً إذا ما استبطنّاه على رأي ريلكه.
 
 
 
 
فخيال الشاعر ليس هروبا من العالم بقدر ما هو تعبير عن أعماقه الصامتة. يقول فيليب جاكوتّيه في هذا المعنى “الأزهار، وليست الأزهار فقط بطبيعة الحال، لا يمكن أن تكون فقط جميلة”، لأن جمالها يُشيرُ، ويَستدعي، ويغيّر ما بنا، فيما كان بول فاليري يؤمن بأن للشعر دور الفادي والمنقذ الذي لا يفصل الحبّ من الزؤان: “كسل، يأس، عثرات حديث، نظرات متفرّدة، كل ما يلقيه الإنسان، ويلفظه، ويجهله، ويُزيله، وينساه، يلتقطه الشاعر، ويمنحه بفضل فنّه قيمة”.
 
 
 
أفلا يزال نفع الشعر قائما وسط هذه الفوضى؟ بلى، يجيب فرديريك بران الذي بعث دار نشر أسماها “بويزيس” مع مجموعة من الشعراء، قدامى ومحدثين، لأجل ثورة شعرية. جاء في مقدّمة أنطولوجيا ضمت قصائد لأكثر من مئة شاعر فرنسي واتخذت من مقولة هولدرلين المذكورة أعلاه عنوانا لها، قولُه إنّ فكرتين عن الثورة ظلتا تتصارعان منذ القرن التاسع عشر: الثورة السياسية التي تريد تغيير العالم على نطاق واسع، بالقوة أو بالقانون، والثورة الشعرية التي تدعو كل فرد إلى تغيير نمط حياته ونظرته إلى العالم ليُعيد إبهاجه.
 
 
 
وقد اختار مع جماعته الشعر، لا للهروب من العالم ومشكلاته، بل للإقامة فيه، وسبر أغواره. ألم يقل أينشتاين إنّ الأداة الشعرية لها نفس شرعيةِ الأداة المنطقية؟


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد