مستقبل السنة العرب تحت احتلال الحشد الشيعي - هارون محمد

mainThumb

29-07-2016 06:35 PM

 عندما كتبنا هنا في “العرب” وحذرنا في فضائيات عدة، من تغول الميليشيات الشيعية وتوغلها في العاصمة بغداد وأحيائها ذات الأغلبية السنية، واجتياح محافظتي ديالى وصلاح الدين بالكامل، والهيمنة على مدن شرق الأنبار وجنوبها وشمال بابل وغربي كركوك، والتنكيل بسكانها الذين عانوا كثيرا من قهر أجهزة وعساكر نوري المالكي وقمع تنظيم داعش، فإننا انطلقنا من جملة من المعطيات السياسية والمعلومات الميدانية عززتها اعترافات برلمانية محلية وتقارير دولية وأميركية بأن ما يسمى بـ”الحشد الشعبي” هو مجرد أداة إيرانية ضاربة، مهمتها الأساسية في المرحلة الراهنة اجتثاث السنة العرب من العراق واحتلال مناطقهم وإرغامهم على النزوح منها ومنعهم من العودة إليها، وإجبار البقية الباقية منهم على العيش في مدن محاصرة بالخنادق والأسلاك المكهربة وذات الممر الواحد للدخول إليها والخروج منها تحت رقابة مشددة، كما يحصل حاليا لمناطق حزام بغداد التي تضم أكثر من ثلاثة ملايين إنسان عراقي يعيشون في المدائن جنوب العاصمة صعودا إلى المحمودية واليوسفية واتصالا بشمالها في أبوغريب والراشدية والتاجي والطارمية والضلوعية، في حين تم ضم قضاء النخيب الأنباري إلى كربلاء، واحتلت الميليشيات طريق الحج البري الذي يربطه بالسعودية، وحفر خندق يفصل بين المحافظتيْن، أما الشروع في حفر خندق الفلوجة فقد أُعلن عنه رسميا قبل أيام والبقية تأتي تباعا.

 

وعندما يعلن النائب أحمد الأسدي القيادي في الحشد، أن رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي أصدر قرارا ديوانيا يقضي بهيكلة الحشد وتحويل مقاتليه إلى صنف عسكري مواز لجهاز مكافحة الإرهاب يتألف من 20 لواء عسكريا، أي أنه سيتكون وفق الأنظمة العسكرية السائدة من 7 فرق، كل فرقة تضم من 6000 إلى 7500 ضابط وجندي ومنتسب، حسب ما هو معمول به حاليا في قوات جهاز مكافحة الإرهاب، فإن ذلك يعني، بوضوح، أن فرق الحشد السبع ستنتشر في المحافظات السنية العربية، وتتحكم في مصائرها وتخضع أهلها إلى البطش الطائفي والانتقام المذهبي قد يفوقان اضطهاد تنظيم داعش لهم.
 
وبالمناسبة فإن محافظي ثماني محافظات في الجنوب والوسط قد اتفقوا في اجتماعات سرية لهم خلال عيد الفطر في النجف على منع مقاتلي الحشد من الرجوع إلى محافظاتهم خشية حدوث فوضى وعمليات سلب وقتل ومطالبات بالوظائف والرواتب، ودعوا إلى إبقائهم في المدن السنية وضرورة فتح جبهات حرب جديدة لهم في الموصل والحويجة والشرقاط. إنه مخطط مرسوم بخبث إيراني وتفرج أميركي وارتياح إسرائيلي، اعتقادا من هذه الأطراف ومعها أحزاب ومرجعيات وكتل شيعية ترى أن السنة العرب في العراق، هم مجرد فئات من البعثيين والصدّاميين والقوميين والداعشيين، في محاولة متعمدة لتشويه صورتهم وإلغاء هويتهم القومية وطمس تراثهم الوطني والاستمرار في اجتثاثهم وسحقهم.
 
إن تحويل ميليشيات طائفية لا تحسن غير السرقة والسطو والتخريب ومعبأة نفسيا وعقائديا بأن السنة هم العدو رقم واحد، إلى تشكيلات حكومية، ونشرها في المحافظات السنية يحمل دلالات صريحة بأن السلطة الشيعية وحكومة حزب الدعوة مصرتان على تنفيذ أجندة إيرانية تفضي إلى ابتلاع العراق وتحويله إلى ولاية تشكل جزءا من المشروع الإمبراطوري الفارسي الذي كثر الحديث عنه هذه الأيام، وبات يتصدر تصريحات الكثير من الجنرالات والمسؤولين الإيرانيين.
 
ولأن إيران ومواليها وجواسيسها في العراق، شطبوا على عروبة الشيعة في محافظات الجنوب والفرات الأوسط، التي تعرضت إلى أبشع هجمة منظمة طوال السنوات القليلة الماضية تركزت على اغتيال الآلاف من البعثيين والقوميين والعلمانيين وشيوخ العشائر العروبيين، وقادة وضباط الجيش السابقين، ومنتسبي التصنيع العسكري العاطلين، ومطاردة المثقفين والمتنورين والأكاديميين، وتخوين عمداء بيوت عراقية أصيلة وتسقيط وجهاء وأعيان وشخصيات شيعية عرفت بحسها الوطني وتوجهاتها القومية، فقد جاء الدور على السنة العرب للمضي في الإجهاز عليهم على دفعات تبدأ من محاصرة مدنهم وتطويق محافظاتهم بالخنادق والأسوار، مرورا بمنع نازحيهم من العودة إلى ديارهم، وانتهاء باحتلال مناطقهم ومصادرة حرياتهم، وعزلهم عن عاصمتهم وفرض الإقامة الإجبارية عليهم.
 
خلال رمضان الماضي، التقينا صدفة بعدد من النواب في مناسبة اجتماعية وهم يتلقّوْن التقريع من عراقيين يقيمون في الأردن ومصر ودول الخليج العربي منذ عدة سنوات، فوجئوا بظهور أسمائهم في لوائح التدقيق الأمني التي أعدتها لجان مشتركة من الحشد والشرطة الاتحادية على أساس أنهم متعاونون مع داعش في محافظة الأنبار، وشخصيا اطلعت على قائمة بأسماء 560 شخصا جميعهم من الفلوجة ومدن الأنبار مطلوب القبض عليهم، رغم أنهم غادروا العراق منذ سنوات، كما أثبت إزاء كل اسم منهم بعبارة “مجهول محل الإقامة أو هارب منذ عام كذا”، وتواريخ الأعوام توضح أنها قبل عام 2014 الذي شهد منتصفه مجيء مسلحي داعش واحتلالهم للبعض من مناطق المحافظة، فجاءت أجوبة النواب واهية و”يصير خير” دون أن ينتبه المواطنون المفجوعون، إلى أن إدراج أسمائهم ضمن مذكرات اعتقالهم هو جزء من المخطط الخبيث لمنع عودتهم إلى بلدهم وبلداتهم مستقبلا، وبالتالي عليهم البقاء في الخارج، خصوصا وأن أغلبهم مؤشر مقابل اسمه “تاجر أو رجل أعمال أو أستاذ جامعي أو ضابط متقاعد أو شيخ عشيرة”، وواحد منهم، على سبيل المثال لا الحصر، من قضاء القائم، داهم مسلحون داعشيون بيته ومضيفه وعبثوا بهما وأحرقوا مكتبته الخاصة وصادروا مسجدا لأسرته والرجل بعيد يقيم في أربيل منذ أعوام.
 
عندما نتحدث عن محنة السنة العرب الحالية ومستقبلهم المظلم، فإننا نبحث ذلك كحالة سياسية واجتماعية، لا علاقة لها بالمسائل الدينية والمذهبية التي ليست من اهتماماتنا، وإنما من حقنا وواجب علينا أن نذكّر أهلنا بالآتي من الأخطار ونحذر من أيام مقبلة سوداء، عسى أن تنفع الذكرى ويفيد التحذير.
 
* نقلا عن "العرب"


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد