حذاء ذكي - نهى الصراف

mainThumb

30-07-2016 10:10 AM

لولا الحذاء، لما تزوجت سندريلا الفقيرة من حبيبها الأمير، ولما حلم منتجو هوليوود بجمع الملايين، وهم يعيدون إنتاج القصة إلى فيلم مرارا وتكرارا.

 

 

 

على ذمة إحدى الأساطير، يحكى أن ملكا حافيا كان يحكم دولة واسعة الأرجاء، أراد يوما القيام برحلة برية طويلة، وبعد عودته وجد أن قدميه قد تورمتا بسبب التنقل في الطرق الوعرة، فأصدر أوامره بتغطية كل شوارع المملكة بالجلد، لكن أحد مساعديه أشار عليه بفكرة أفضل، وهي وضع قطعة جلد صغيرة تحت قدميه فقط؛ فكانت هذه فكرة بداية نعل الأحذية!
 
 
لا أعرف تماما مدى صحة هذه القصة، أو ما هو التاريخ الحقيقي لتصنيع الحذاء ومن هو صاحب الحظ السعيد الذي ارتداه للمرة الأولى، فالأهم من كل ذلك أن الأحذية واسطة نقل ليس إلا، مثلها مثل العربة والسيارة، وأهم ما يميزها كي تقوم بعملها على أكمل وجه هو توفر مستلزمات الراحة والسلامة؛ الحذاء يجب أن يكون متينا، بسيطا وبمقاس يتناسب مع حجم القدمين، ليقوم بوظيفته في توفير الحماية من الآلام والأضرار التي يسببها المشي على السطوح القاسية أو القذرة.
 
 
 
البعض من أنواع البشر، يجد في الحذاء وظيفة أخرى تخرج عن الإطار التقليدي؛ فالحذاء في نظرهم يرمز إلى المكانة الاجتماعية، حيث حكم على الفقراء في غابر الأزمان بالسير حُفاة، وحكم على البعض الآخر بالاستعانة بالصنادل المصنوعة من المطاط الرخيص، لتكون الأحذية الجلدية الفاخرة المصنّعة من جلود الحيوانات وقفا على أفراد الطبقة الغنية. هناك، مثلا، أحذية من علامة كريستيان لوبوتان التجارية ذات النعل الأحمر التي تصل أسعارها إلى الآلاف من الدولارات، وتجتذب نساء العالم المخملي، مثلما تجتذب قطعة حلوى قبيلة من الذباب، وتفضلها السيدات العربيات الثريات وهن في طريقهن إلى ذرف الدموع، في حفلات الاستقبال الخيرية التي يذهب ريعها لصالح الأيتام الذين رحل آباؤهم إلى الجنة رغما عنهم.
 
 
 
 
ولولا الحذاء، لما تزوجت سندريلا الفقيرة من حبيبها الأمير، ولما حلم منتجو هوليوود بجمع الملايين، وهم يعيدون إنتاج القصة إلى فيلم مرارا وتكرارا، على مرأى ومسمع من جمهور ساذج مازال يرفض بإصرار الذهاب إلى المنزل، إلا عندما يتأكد بأن الأمير جاد في نيته الزواج من صاحبة الحذاء الزجاجي.
 
 
 
في حين، دخل الحذاء حقل المعترك السياسي من أوسع أبوابه حينما استخدمه بعض السياسيين في الضرب على طاولات القمم والمؤتمرات الدولية، باعتباره جملة اعتراضية بديلا عن الصراخ، كما استخدمه عموم الشعب والصحافيون في “التعرض” لشخوص رئاسية، في محاولة لإهانة رموز دول أمعنت في التخريب العابر لحدودها، الأمر الذي جعل من المنظمين التفكير جديا في ضرورة تعليم مداخل مؤتمراتهم، بلوحة استقبال تقول “يرجى خلع الأحذية قبل الدخول إلى القاعة”.
 
 
 
لكن الحذاء يمكن أن يكون كل هذه الأشياء مجتمعة، بقليل من الحنكة والتطويع التقني؛ وهذا بالفعل ما قامت بتطويره إحدى الشركات الفرنسية بطرحها أول حذاء ذكي في العالم. الحذاء الذي سرق مصنعوه فكرته من فيلم “العودة إلى المستقبل”، يبدو على شاكلة جهاز مزود بمجموعة من أدوات الاستشعار ومتصل بالهاتف الذكي عبر تطبيقات خاصة، وهو يعدّ خطوات الفرد الذي يرتديه والسعرات الحرارية التي يحرقها، يقيس المسافات المقطوعة، يتصل بالإنترنت، يعرض البيانات، يسمح للمرء بالاطلاع على خارطة سيره، يسجل عدد ضربات القلب، ويمكنه أن يعمل على تدفئة القدم. إلا أن ثمنه الذي يتجاوز الـ450 دولارا أميركيا يجعله حكرا على الميسورين من محبي الموضة، ولهذا السبب، سيبقى الحال على ما هو عليه ويلجأ الفقراء مجددا إلى الانتظار على باب قاعات المؤتمرات الصحافية أملا في تغيير محتوى اللافتة المحذرة، والسماح لأصحاب الأحذية بجميع أشكالها التعرض ولو لمرة واحدة في حياتهم إلى رمز سياسي أو ديني متوسط الغباء، لا يستطيع تلافي فردة حذاء مستعجلة في الوقت المناسب!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد