الصين .. العيون المتسعة - تغريد الطاسان

mainThumb

10-08-2016 09:58 AM

 منذ زمن وأنا أتساءل عن سبب خوف العالم ونفوره من المارد الصيني، وقراءتهم الداكنة له، وتقديمها لنا في قوالب مبالغ فيها أحياناً، وتقديمها لنا وكأن عيونهم الضيقة تحجب كل رؤية صالحة عنهم.

 

 

 

صادف أنه في إحدى زيارتي لمدينة ميونيخ الألمانية أن كانت العاملة التي تتولى التنظيف بالسكن الذي أسكن فيه من الجنسية الصينية، فقررت أن أجلس مع هذه السيدة التي تنظف لنا الغرفة، تفاجأت بأنها تمتلك مؤهلاً عالياً في الصناعات الكيماوية، ولكن بسبب عدم الاعتراف بشهادتها في ألمانيا، تقوم من النوم الساعة 5,00 صباحاً، لتمارس رياضة الصباح ثم تفطر، بعدها تنظف سلالم إحدى العمارات، ثم تذهب إلى العمل في السوق المركزية من 10,00 صباحاً وحتى 6,30، ثم تعود لتنظيف أحد المنازل أو المتاجر، ثم تستريح، لتذهب عند منتصف الليل إلى جارة لها في الـ80 من عمرها، لتجهزها للنوم، أي تأخذها للحمام وتغير لها ملابسها، وبذلك تعمل يومياً حوالى 15 ساعة.
 
 
 
 
قالت لي: «إن الصيني يعرف أن سعادته ومستقبله مرتبطان باجتهاده، ولذلك لا يوجد طلاب كسالى في المدرسة، وكلمة المعلم مقدسة. الوالدان يراجعان يومياً الواجبات المدرسية، لا يعرف الوالد جلسة المقهى أو المجلس مع الأصدقاء، ولا تعرف الأم التلفزيون وجلسات الصديقات والحديث الطويل على الهاتف».
 
 
 
وتضيف في حديثها لي: «الصيني يرفض الدعوات إلى الطعام، لأنها تعطله عن العمل وكسب المزيد من المال. سعادة الصيني وراحته في العمل، الصيني لا يظهر مشاعره، لأنها شيء شخصي، ولا يتحدث عن الدين، بل يطبق ما تدعو إليه الأديان من دون الحديث عن ذلك. الكسول لا مكان له في المجتمع، يحتقره كل من حوله ويتجنبونه وينفرون منه، من دون أن يعاتبوه، لأنه يعلم تماماً الخطأ الذي يرتكبه. العلاج الطبي ليس متاحاً مجاناً إلا لموظفي الدولة ومن يدفع تأميناً لسنوات طويلة، لذلك فإن الصيني العجوز يواصل ممارسة الرياضة والنشاط، لأنه لا بديل أمامه سوى الحفاظ على صحته».
 
 
 
هي فخورة بأنها صينية، وتلمع عينيها بذلك، وتقول: «إن البليون وربع البليون صيني يشعرون بأنهم شعب واحد، ليس عندهم وقت للتفكير في النظام السياسي، فللسياسة أهلها».
 
 
 
هي على يقين بأن بلادها وشعبها سيحتلان المرتبة الأولى، لأن وصفة النجاح عندهم هي: الاجتهاد وحب التعلم في كل مراحل العمر والنشاط البدني، والتفكير في الواجبات والمسؤوليات وليس في الحقوق فقط.
 
 
 
في الحديث معها تنسى أنها امرأة أو أنثى، بل هي قوة عاملة وطاقة عطاء لا تفنى. الرجل الصيني مستعد للعمل في أي مكان بالعالم إن وجد هناك دخلاً إضافياً، ولو ضئيلاً، لأنهم شعب لا يعرف الشكوى من فراق الوطن والأهل، طالما أن السفر يفيد الأهل والوطن.
 
 
 
الغريب جداً أنها تقول كل ذلك ببديهة، وكأن الاستمتاع بالعمل شيء طبيعي جداً.
 
 
في طفولتها كانت حلوى الأطفال تدخل بيتهم مرة أو مرتين في السنة، في المناسبات الكبرى، اللحم والسمك والدجاج لا تأتي أكثر من ذلك أيضاً. الفطور حساء أرز، لأنه أرخص شيء، ولا خبز للمدرسة، بل يعود الأطفال في الظهر لتناول الطعام في البيت.
 
 
 
الأم ترجع للعمل بعد ثلاثة أشهر من الولادة، ويتولى الجدان رعاية الصغار وإعداد الطعام لهم، وفي المقابل يتحمل الأبناء إعالة الوالدين في الشيخوخة، ويقتسمون المال مهما كان قليلاً.
 
 
 
وأنا أستمع وينصت عقلي لها أكاد أشعر بضيق واختناق، بسبب حديثها ومقارنته بما نعيشه من تواكل وعجز ورمي مسؤوليات على الكل، نتفرغ للحديث والتهم والتهكم من دون الشروع بشيء مختلف يمنحنا دخلاً وخبرة ويجعلنا ذوي قيم إضافية في المجتمع.
 
 
 
القيم الصينية وأفكارها الاجتماعية أظنها ستسهم في مرحلة التحول والتغير الاجتماعي التي ننشدها قريباً، متى ما ملكنا العزيمة والإصرار والتكيف مع المتغيرات حولنا.
 
 
 
ولكن للأسف الشخصية الصينية عندنا ارتبطت بالبضائع الرخيصة والمقلدة وعدم الثقة، وهذا كله غير صحيح.
 
 
 
الصين تصنع لك ما تريد، لكن ليس ذنبها أنك لا تريد إلا السيئ الرخيص!
 
 
 
وأجدها فرصة في الدعوة إلى إعادة النظر في التعاون واللقاءات بيننا وبين المكون الصيني، فنحن تربينا على مقولة «اطلبوا العلم ولو في الصين»، وها هي الصين اليوم تجبر العالم كله على أن يحترمها ويرضخ لها ولا يفعل شيئاً يغضبها. فهل ننتبه للمارد الصيني، ونعيد ضخ الحياة الصينية في شراييننا بدلاً من الدم الأميركي والبلازما الأوروبية والكريات الروسية، لننعم بالبليونية عطاء ومستقبلاً؟


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد