كتاب البرج العاجيّ

mainThumb

17-08-2016 11:55 AM

كثير من كتاب هذه الأيام يسجنون ذواتهم في قلاع حصينة مسوّرة بعيدة كل البعد عمن حولهم بدعوى أنهم يراقبون مجريات الأمور ، وهموم العامة من بعيد ، وأنهم لا ناقة لهم ولا جمل فيما يجري من أحداث وما يستجد من تطورات وأن كلا منهم يكفيه همه الموروث الذي يعيش في أتونه وأنهم ليسوا مسؤولين عما يجري .
 
وإذا ما تنازل أحد هؤلاء ووقف يوما بباب قلعته التي حبس فيها نفسه فهو لا يتناول إلاّ إحدى المشاكل التافهة مرة في كل عام أو عامين يتناولها بالإستشاطة غضبا فيسب ويلعن ويلقي اللوم جزافا ويوزع عباراته النارية يمينا ويسارا وشمالا وجنوبا ، وحين يلقي ما عنده يحس أن دوره قد انتهى وأنه بلغ الأمانة فيعود راضيا ويغلق على نفسه أبواب قلعته الحصينة ويبدأ عملية اجترار الذات من جديد .
 
وأنا أتساءل هنا .. هل هذه هي وظيفة ومهمة الكاتب الحقيقي الذي وهبه الله شرف مهنة الكتابة ؟ أعرف أن الكاتب الحقيقي هو الذي يعبر وبصراحة وجرأة عن هموم المجتمع الذي يعيش بين ظهرانيه ، يأتي بالسبب والمسبب ويطرح الحل وإذا كان مجتمعه يهمه حقيقة فبالضرورة يكون صدره بوتقة لهموم من حوله ومن هنا تبدأ عملية التفريغ وبث هذه الهموم متفرقة على صفحات الصحف والمجلات أو مجتمعة بين طيات الكتب ،فإذا ما انسلخ الكاتب عن مشاكل وهموم مجتمعه وتبرأ من سلبيات هذا المجتمع الذي هو أحد أفراده شاء ذلك أم أبى وإذا ما انكفأ على ذاته لا يكتب إلا عن مشاعره الذاتية وعن تجاربه الذاتية فأيّ فضل يكون له ؟
 
إذ ماذا يريد الكاتب مني حين يبتعد عن همومي ويحاول أن يثبت أنه كذا وكذا .. ماذا يريد مني حين ـ إذا قرأت له ـ أجده في واد وأنا ومن حولي في واد آخر ..؟ هل يريد مني أن أتناسى همومي ومشاكلي وأتتبع مشاكله التي لا تهم أحدا سواه؟ وماذا يريد مني من لا يعيش إلا في داخله منفيا ممن حوله ونافيا نفسه عمن حوله؟
 
الذي أؤمن به هو ماذا قدم الكاتب من حلول ناجعة للمشكلات التي يعيشهاويحياها من حوله هذا هو الذي أؤمن به .. وإذا ما انتهت جميع مشاكلنا وانتفت همومنا فليغلق أمثال هؤلاء الكتاب ابواب قلاعهم على أنفسهم بالمتاريس وأظن جازما بأنه في هذه الحالة تنتفي حاجة مجتمعاتهم لهم فلا هم في العير ولا في النفير .
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد