عمران - حياة أبو فاضل

mainThumb

25-08-2016 09:42 AM

كأنه "لاوتسو"، يمسح الطفل الحكيم عمران دماء سالت على وجهه الهادئ، وشعره الكثيف الجميل يحمل غبار الردم النازل عليه من سقف بيته المهدوم في حلب. لم يبكِ ولم يضحك عارفاً عن قرب "إنسان" القرن الحادي والعشرين... انسان متديّن أو غير متدين، متحجر الفكر، يقتل ويدمّر في سبيل الحرية كما يقول، سواء الروسي الذي يستعرض جبروت طيرانه فوق المدن السورية بلا مبالاة مزاجية، أو الأميركي الفاقد الضمير من سفك دماء الهنود الحمر ليسرق أميركا وكنوزها... أو الايراني القامع بصمت ديكتاتوري كل أشكال الحريات باسم الدين، أو السعودي الذي ما زال مفهوم الحرية ملتبساً لديه أيضاً بسبب الدين.. أو التركي الذي اغتصب الشرق الاوسط مدى أربعة قرون استبداد وتجويع وعثمنة، أو الاسرائيلي الصهيوني الذي زعم منذ ألفيات أنه التقى الخالق وخاطبه وتبادلا عهوداً أدّت الى ما نحن عليه اليوم. واليوم حمل "ربيع عربي" للعرب نداء للدمار وللابادة، فلبّوا النداء كالعادة، وتفتتت الأوطان العربية داخل عصر انحطاط، جلس عمران على ضفته ينفض عنه ركام بيته المهدوم في حلب.

 

 

 

 
من انتصر هنا، المعارضة السورية التقليدية التي أطلقها من قمقم قرون أحقاد مذهبية لا تنام من اطلق "القاعدة" ثم "داعش"؟ أم المعارضة السورية الديموقراطية الأميركية "الشيك"؟ أم النظام وأهله مدعوماً ظاهرياً من روسيا ومن مقاومة اسلامية شيعية ضد معارضة سنية تدعمها السعودية وتركيا، وكلهم هدموا بيت عمران على رأسه؟ من المنتصر؟
 
 
 
نظر عمران حوله، ثم الى البعيد حيث لامس بعده بدايات وجود الانسان على الارض وصراعه مع كل من شاركه في الحياة داخل حروب لا تهدأ. وعرف أن "رمزية" الحروب تدخل في صلب نسيج برنامج التطور البشري، وهي من فصول مسرحية الحياة. وصمت، وما كان يستجدي لا شفقة ولا تعاطفاً ولا استنكاراً، فعرف أن من يقتل باسم الدين هو بدائي الوعي، ومن يحارب في سبيل الحرية لا يحرم الآخر حريته ولا حياته... ومن ينتصر لا يفاخر ولا يتباهى، ففي الحروب هناك دائماً رابح وخاسر، والاثنان متساويان، يؤديان دوريهما قبل أن تنزل الستارة.
 
 
 
وفتح الطفل عمران جناحيه وطار الى قاعة مجلس الأمن في "الأمم المتحدة" وجلس فوق المقعد المخصص لسوريا. ضحك على منظمة أمم متحدة مبعثرة، نبتت من نهاية حرب عالمية ثانية لتفاخر بانتصار غرب أميركي على غرب أوروبي. وبدأ عصر استعباد خبيث مبطّن سمح للصهيونية العالمية بالعربدة على مزاجها وما حاسبها يوماً. وضحك على مجلس أمن فاشل لا علاقة له بالأمن... وعلى رؤساء أميركاوروسيا وتركيا وايران والسعودية ضحك عمران طويلاً، فلا علاقة لهم بجوهر الحياة. وضحك على جامعة عربية بلا نظرة مستقبلية ومتخلفة وعياً وأداءً، فقد فتحت على سوريا باب الدمار الصهيوني المركّب. ثم أغمض عينيه حالماً مثل كل صغار العرب الواقعة عليهم غباوة العرب الكبار، حالماً بنبض جديد يليق بمن استحق نعمة الحياة.
 
 
صحيفة النهار 
 
** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
 
 
 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد