في وداع البدوي عمي متعب - سارة مطر

mainThumb

27-08-2016 09:58 AM

حينما يغادرك أحدهم فإن أول ما تقوم به أن تعبث بذاكرة جوالك، تبحث عن صور سبق وأن احتفظت بها من قصد أو من دون قصد للراحل قبل أن يمضي، الراحلون يخبروننا بموعد رحيلهم دون أن نعلم، تتداول فجأة حكاياتهم وصورهم وطرائف عنهم، وأنت تمارس مع الكل غواية الدهشة والضحك والحديث المكرر عن الراحل قبل أن يفارق الحياة، لا أعرف لماذا نتمسك بها حتى الآن؟ ولماذا لا نفرح لمن يغادرها؟ هل أقول ذلك لأني لا أستطيع تحمل كل هذا الحزن الموصوم داخل قلبي؟ هل أدون هذه العبارات لأنني لا أستطيع الآن أن أقاوم كل هذا الألم؟ كما لا أستطيع أن أغلق فمي المكتوم بالحزن والكلمات والعجز والتفاهة والمقاومة والركض والطفولة وباب البيت القديم والقرية وسيارة الجميس الحمراء، الحب الذي يهب إليك من دون حدود، الحب الذي يغمرك منذ أن خرجت إلى هذه الحياة، ولم يطلب منك مقابلاً له.
 
 
 
 
 
الوجع هذه اللحظة أقوى من أن ترتب كيف لهُ أن يكون، وكيف لهُ أن يتم، وفي وداع عمي متعب والذي جاء بعد فراق والدي بأشهر معدودة لم يكن محسوباً، منذ متى نتخيل أن الفراق بعيداً عنا؟ منذ متى لا نعترف بأننا مهما بلغنا من العمر عتياً لا يمكن أن نكبر على حزن فراق الأحبة والأقارب والأصدقاء ورفقاء الحي، فما بالك بعمك الذي عشت معه عقوداً، فقد كان الواقع يقول إن لأعمامي بيوتاً متفرقة، لكننا لم نكن نفهم معنى وجود الأبواب حتى هذه اللحظة؟ ولن نفهمها حتى نفارق هذه الأرض!
 
 
 
 
كنا نعيش في قلب واحد ذي أربعة مواطن، الأخوة والأشقاء الذين لم يفرقهم سوى الموت، تعاطينا على تسمية كل واحد منهم بـ «أبوي» قبل أن ننطق باسمه، اعتدنا على أن يكون أعمامنا هم أباء لنا، هكذا تربينا، وهكذا عشنا، وها هو عمي الوسيم المفتون بالبادية يغادرنا إلى جوار الله، بعد صراع مع عدد من الأمراض التي كان يقاومها بجدارة، لا شيء في هذا العالم أقسى من أن يغادرك والدك للمرة الثانية.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد