عمليات اغتيال - جمانة حداد

mainThumb

29-08-2016 09:42 AM

 قتلوك، أولاً، في 13 نيسان 1975. وكان موتك يومذاك، ولا يزال، برهان بداية لا نهاية. بداية لسلسلة من عمليات اغتيالك المستفحلة. عادوا فقتلوك مرةً ثانية عندما صارت العدالة فيك كلمة ذات أبعاد سوريالية ورمزية أكثر منها مطلباً وهدفاً. فهل أشدّ فتكاً بروحك المناصرة للعدل من ضياع الحق وعجز القانون؟ وقتلوك ثالثةً عندما هزل الذكاء السياسي وسقطت السياسة في المستنقع، وتاه أهلك، سياسيين ومواطنين، شبّاناً وكهولاً، بين أكثرية وأقلية، بين مسيحيين ومسلمين، بين شيعة وسنّة، بين قوّات وعونيين، وبين معارضة المعارضة ومعارضة الموالاة وموالاة المعارضة، وهلمّ. فهل أشد فتكاً بروحك الخلاّقة من انعدام الرؤية وغياب الرجال التاريخيين؟

 

 

 

وقتلوك رابعةً عندما اغتالوا سمير قصير وجبران تويني وسواهما من أصوات الحقّ والحرية. فهل أشد فتكاً بروحك الشاهقة من خنق صوت الشجاعة والحقيقة؟ وقتلوك خامسةً عندما رفضوا انتخاب رئيس بالأكثرية الديموقراطية، وعندما لم يتمكنوا من التوافق على مرشّح رئاسي. فهل أشد فتكاً بروحك الشهمة من التناتش العبثي للسلطة؟ وقتلوك سادسةً بالطائفية والتعصّب والقبلية والفتن الدنيئة المفتعلة. وقتلوك سابعةً بالجشع والسرقة والفساد. وقتلوك ثامنةً بالرقابة وانغلاق العقل. وقتلوك تاسعةً عندما تحاوروا ليتكلموا لا ليسمعوا، وعندما التقوا لا لشيء سوى ليقول كل واحد منهم كلمته العاهرة ويمشي.

 

 

 

كم وكم قتلوك، وكم كل يوم يقتلونك يا لبنان! بالأزرق والأصفر والبرتقالي والأحمر والأبيض يقتلونك. بالهمس والصراخ بالخطب والوشوشات والتصريحات يقتلونك. بالمطامع المعلنة وغير المعلنة، بالتعامي المقصود وغير المقصود، بالعجرفة المبررة وغير المبررة يقتلونك. باليسار واليمين وما بينهما، بإسم الله والوطن والمقاومة والحقيقة والحرية والاستقلال والسيادة والوحدة الوطنية يقتلونك. بالتهذيب الكاذب بالوقاحة المقنّعة بالاحتيال السمج الذي يسمّونه شطارة بالمساومة الرخيصة التي يسمّونها سياسة يقتلونك. بالتسويات غير النظيفة بالتحالفات غير المقنعة بالانتماءات المهزوزة بما فوق الطاولة وبما تحتها يقتلونك. بالاختلافات التي تصير بازدياد مصدر خلاف وانقسام يقتلونك. بالبلاد المرهونة للأنانيات الطائفية والتبعيات القبلية يقتلونك. بالأحكام المسبقة والتصورات المشوّهة والطرق المسدودة والممارسات اللاأخلاقية يقتلونك. بالدولة المطالَبة بأن تكون ملك طرفٍ دون آخر يقتلونك. بالظلم بالاستبداد بالفساد بالتمييز بالفلتان بتحويل الاحباط قدراً وجلد الذات تقليداً يقتلونك. بالشعب المنقاد وراء محسوبيات وزعماء وولاءات صغيرة، بالمجتمع المفتقر الى تكافوء الفرص...
 
 
 
هل بجب أن أُكمل يا لبنان، لتكتمل السلسلة؟
 
 
تعدّدت الأدوات تعدّد السفاحون والجريمة واحدة.
 
 
ترى كم عددهم قتلتك؟ كم وجهاً لهم وكم لوناً في راياتهم؟
 
 
 
... كم مرّة سيقتلونك بعد؟


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد