إنهم يشربون الـ 7up

mainThumb

05-09-2016 09:21 AM

في طفولتي المعقده كنت اخاف من كل شيء .. 
 
احيانا كنت اخاف من البكاء .. من الضحك .. ومن الغرباء .. من الموت .. ومن العتمه .. من المستشفى .. ومن الشرطي .. من المعلم .. ومن السفر .. وحتى من والدي رحمه الله .. احيانا كثيره كنت ارتجف خوفا وانا اهم بالكلام امام الناس .. كنت اتلعثم مرارا وتكرارا وانا اسأل اي شخص ما عن اية مسألة حتى لو كانت تافهه بسيطه وكان يصيبني رهاب الجمهور والعيون والرؤوس المتراصه حولي .. ورهاب النفس .. في إحدى المرات كسرت يدي اثناء ممارستي الرياضة المدرسية فتركتها مكسوره حتى دون علاج لأكثر من شهر خوفا من ان يأخذني والدي للمستشفى .. كنت افقد عقلي اذا ما مررت من امام الشارع المحاذي له فكيف لي ان ادخله للعلاج ؟؟!! وذات ليله وحينما كانت والدتي رحمها الله تساعدني في نزع ملابسي لاحظت ان يدي مكسوره فاخبرت والدي الذي سارع لأخذي لمعالج طب عربي بعد ان اجتمع اخوالي والكثير من الناس ليدخلوني للمستشفى لكنني القيت بنفسي في الشارع واخذت بالصراخ والنحيب حتى جمعت عليهم اغلب الماره وكنت اتمرغ ارضا وانفي يسيل على خدي ودموعي تسيل حتى احس الجميع ان  هؤلاء الناس يريدون سرقتي او ذبحي .. 
 
ذات يوم وبينما كنا نلعب كرة القدم سقط احد الاولاد فكسرت قدمه واشتى والده علي في المحكمه فحدد القاضي لي جلسه فذهبت مع والدي لحضورها وحينما  دخلت الى غرفة القاضي وسألني عن الحادثة تبولت على نفسي ولم اتكلم بحرف واحد حيث كنت ارتجف من الخوف .. ورغم انه هدأ روعي ولكنني بقيت ملتصق بوالدي وارتجف من شدة الخوف وكانت عيوني مفتوحة على اشدها وانا انظر الى باب الغرفه أملا في الخروج .. 
 
وحينما كنت اعيش بعض مراحل طفولتي عند جدتي كانت لي قريبات يأتين لزيارتنا وكن تلك الفتيات الصغيرات يحاولن ان يتكلمن معي ولكني كنت اخجل من ذلك ثم يكررن المحاوله ويحاولن المزاح معي فتصرخ جدتي بهن : إتركن الولد .. إتركنه .. بتفكرنه زيchن وقحات .. فيتركنني وهن يهزأن بي .. 
 
ويوما بعد يوم كنت أكبر وتنبت بضع شعيرات على لحيتي فمسكتني امي ذات يوم اجر ماكينة الحلاقه على خدي املا بان يشعرني ذلك بشيء من الرجوله ولكن امي وبختني على فعلتي تلك قائلة : بتجر الشفرة على لحيتك ..  ؟؟؟!! ياعيبك ...  فأرتجف خوفا حتى أكاد ان اجرح وجهي واشعر بالخجل الشديد كأنني سلمت الضفة الغربية .. 
 
كان صديق لي يدرس معي في ذات الصف وكنت انا فتى ريفي يأتي للدراسة في المدينة من تلك الارياف البعيدة التي جبلت امزجتنا وطباعنا على شكل يخالف صفات وطباع أهل المدن .. كان هذا الولد يتشاطر علي ويتحاذق ليأخذ مصروفي البسيط .. كنت في ذاك الزمن اعتقد ان ال 7up من المشروبات الروحية وان تناوله حرام فعرف صديقي بذلك فكنت كل صباح اشتري له بمصروفي زجاجات ال 7up واستغرب وانا اراه يشربها على نغس واحد وكنت اتلفت حولي لكي لايرانا احد وكان هذا الولد يجيد لعب هذا الدور ويوهمني انه يجازف في تناول هذا المشروب من اجلي ومن اجل ان يرضي فضولي .. كنت ولد عاهه مستديمه على الزمن منطوي ارى الناس في مراتب اعلى مني بكثير وكانت عقدة النقص والشعور بانني الثاني في كل شيء يرهقني وينكل بي .. 
 
تلازم الشعور بالخوف معي حتى غدوت شابا يافعا  امارس الكتابه والرياضه وابدع في أن اكون الرجل الثاني في كل شيء وفي يوم ما احسست برغبة في التحرر من الخوف ومن لعب دور أن اكون دائما وابدا  خلف الجميع .. احسست برغبة جامحة في كسر قيد الخوف من دستة الامور التي تخيفني .. فجربت ان اعبر عن كل شيء داخلي .. كل شيء حتى كسرت كافة الحواجز وتجاوزت هؤلاء الصبية الذين كنت ارى فيهم ابطال وشجعان ويشربون ال 7up دون خوف .. تغلبت على خوفي حتى اصبحت الكلمة عندي المتنفس الوحيد لاعبر عن ذاتي وعن عدم شعوري بالنقص تجاه الآخرين .. فنسيت الخوف ودست عليه بلاتردد بل وتجاوزته الى مرحلة اللاعوده حتى ذات مساء خريفي مرتجف تلفت حولي فإذا بالخوف يقترب مني مجددا .. لم يكن خوفي هذه الايام من الطبيب او من المستشفى والشرطي والعتمه والسفر والمعلم والموت .. الخ .. لقد كان خوفي هذه المرة على وطني ... نعم على وطني .. خصوصا حينما رأيته ذات يوم يدفع مصروفه لبعض اللصوص ممن كانوا يشربون ال 7up على اعتبار انه بطوله ..


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد