آهات وتنهدات تربوية من أعماق القلب - هاني طاشمان

mainThumb

23-09-2016 03:57 PM

في وسط الجدل الذي نشهده فيما يتعلق بتطور المشهد التربوي في الأردن ، وكثرة اللغط بين المؤيد والمعارض لبعض التغييرات الطفيفة أحيانا والشكلية احيانا أخرى في المناهج الدراسية، نقول للجميع اتركوا التربية وشأنها لأهل الخبرة التربوية غير المسيسة وغير المنتمية لأي تيار فكري او عقائدي من ذوي الأفق الضيق الذين كان لهم الدور الأكبر فيما وصلت اليه الأمور الى ما وصلت اليه الآن، فقد بثوا سمومهم وافكارهم في المناهج عندما تسللوا الى اهم وزارة في الأردن. وكتربوي أؤمن بأن اي تغيير سواء كان سلبا او ايجابا في المجتمع برمته ما هو الا نتاج طبيعي لمخرجات النظام التربوي بأي مجتمع ... بالتأكيد أن المحيط الخارجي له تأثيره ولكن التغيير يأتي من رحم العملية التربوية ولا تظهر نتائجها الا بعد عشرات من السنين.
 
وحتى لا نذهب الى الاتهام او التهجم دعونا نبين بعض المفارقات بين جيلين تربويين في الأردن، وخير مثال أن اتحدث عن جيلي كأب عندما كنت طالبا في المدرسة (جيل الثمانينات) وجيل ابنائي الخريجين من المدارس هذه الأيام منها:
 
-  الاحترام:-  كنا نحترم الكبير سواء كان قريبا او جارا او شيخا في الطريق، وأذكر انه عندما كنا نستقل الحافلة للذهاب الى المدرسة او الجامعة كنا نقف حتي يجلس هذا الشيخ او هذه السيدة، ولا نقاطع من هو اكبر منا سنا في الحديث، الآن هذه القيمة الاجتماعية اختفت تماما فقد نمر بعجوز او شيخ في الطريق ونتعداه كأنما لم نرى شيئا، لا بل احيانا لا يسلم هذا الشيخ او تلك العجوز من نظرتنا المتعجرفة والدونية له والسخرية عليه في احيان اخرى.
 
- الاعتماد على النفس: كنا نعتمد على أنفسنا في التعلم والانتقال من مدرسة لأخرى نقطع المسافات بكل الأحوال الجوية مشيا على الأقدام للوصول الى المدرسة من اجل التعلم، من حالفه الحظ بالنجاح يكمل دراسته الجامعية عندها لا خوف عليه؛ ومن لم يحالفه الحظ كان ينزل الى سوق العمل ويتعلم مهنة يعتاش منها ويبني بيته ومنهم من يعيد المحاولة للوصول الى النجاح ولم نطلب مساعدة من أحد ، اما جيل الحاضر فيعتمد اعتمادا كاملا على ابويه وعلى معلمي الدروس الخصوصي ويتكل على ذلك في تعلمه دون ان يبذل مجهودا كافيا ليتعلم، ولهذا اصبح طالبنا الآن اكثر اتكالية على غيره في تعلمه
 
 
- تحمل المسؤولية :-  كنا نحافظ على جميع الأدوات والممتلكات في البيت لا نعبث بها او نتلفها، ونساعد آباءنا في اعمالهم سواء كان الأب حدادا او نجارا او فلاحا نتعلم ونعمل نقضي حاجيات البيت في غياب الوالد للعمل وننجز المطلوب منا "اوتوماتيكيا"  اما جيل اليوم للأسف معظم الأدوات الموجودة في البيت يقوم الأبناء بإتلافها وتخريبها دونما تحمل اية مسؤولية للحفاظ عليها، ولا يقوم بتقديم اية مساعدة لأبوية في البيت او العمل، لا يستطيع تحمل مسؤولية نفسه ولا تحمل مسؤولية الآخرين من حوله، فالكثير من أدواته وأغراضة تنسى وتهمل هنا وهناك دونما وعي لمسؤوليته الخاصة عن المحافظة على ادواته، حتى ملابسه يمكن ان تضيع هنا وهناك نتيجة لاهماله وعدم تحمله مسؤولية المحافظة علىها.
 
- الوعي والادراك:-  كنا شديدي الملاحظة لكل ما يدور من حولنا، وندرك الدور المطلوب منا ونتحمل مسؤوليات قد تفوق المستوى العمري لنا نحلل ما يدور حولنا من احداث اجتماعية ونستوعب المستوى الاقتصادي للأسرة، نتفهم كثيرا لبعض التصرفات لآبائنا والتي تبدو غير مرغوبة لنا ونتفهم التبريرات، وفي غالب الأحيان نعرف الى اين نحن ذاهبين بعد اتمام الدراسة واحيانا نخطط لذلك ونحن على مقعد الدراسة، جيل اليوم غير واعي لمستقبله ومحيطه، ويكفي ان أقول انك ممكن أن تمر بجانب احد الطلبة دون ان يعرف او يعي بأن هنالك شخصا مر بجانبة واذا وعي هذا الشي لا يعرف اية ملاحظات عن هذا الشخص اي انه لايدرك بالمجمل ما الذي يدور حوله، وحتى لو وضعت امامه خريطة لن يستطيع تحديد الشمال من الجنوب او الشرق من الغرب ولا يدرك موقع دولته بالنسبة لدول الجوار.
 
- مدى التعلم:-  كنا نقرأ ونكتب ابتداءا من السنة الثانية او الثالثة من الدراسة ونعترف بتأخر القراءة والكتابة شيئا ما ولكن ما ان نجيد القراءة حتى يخصص لنا الوقت لدراسة امهات الكتب والقصص واذكر بأنني اكملت قراءة كليلة ودمنة كاملا على سبيل المثال في الصف السادس الابتدائي ، نتعلم الاعراب وتركيب الجملة وكتابة الانشاء وكان المطلوب منا ان نقرأ الدرس مع اعراب كل كلمة في الدرس من أوله لآخره ، وتحليل القصائد تحليلا أدبيا كاملا بعد أن نحفظها، اما جيل اليوم صحيح انه يتعلم بسن ابكر وقد يتقن الطالب القراءة منذ الصف الأول  ويتعلم الكتابة شيئا ما ولكن يبقى هذا التعلم بذات المستوى للسنوات اللاحقة ويكفي ان نقول بأننا اصبحنا نشاهد خريجي جامعات للأسف بخطوط هزيلة غير مقروءة وأخطاء املائية كثيرة ناهيك عن ركاكة التعبير وللأسف من هؤلاء قد يكون معلمين ومعلمات ، فانظروا الى مدى الخطورة على مستقبل ابنائنا.
 
- الأمية:-  كان  مفهوم الأمية وقتنا هو كل من لا يستطيع القراءة والكتابة لعدم حصولة على اي مستوى تعليمي، وتطور هذا المفهوم في نهاية التسعينات واوئل القرن الحالي ليصبح مفهوم الأمية ليس فقط  كل من لا يتقن القراءة والكتابة بل تعدى ذلك ليشمل كل انسان لا يتقن مهارات الحاسوب، وأنا اضيف الآن الى كل هذا وذاك في الوقت الحاضر ليشمل موضوع الأمية ايضا كل من لا يتقن اللغة الانجليزية او الفرنسية ومهارات التواصل مع مجتمعات اخرى. وللأسف جيل هذا اليوم لا يتقن مهارات التواصل مع محيطه الذي يعيش فيه وكأنه في عزلة تامه عن الآخرين منشغلا بكامل وقته مع الموبايل والآيباد ليعيش عالما افتراضيا غير واقعيا
 
- الأمانة العلمية:- تعودنا في ايامنا ان يطلب الينا المعلم تلخيصا للدرس او تلخيصا لموضوع ما او تلخيصا لكتاب قرأته ونقوم بهذا العمل وقد أفادنا كثيرا ف إتقان مهارات الكتابة والطلاقة في التعبير وقوته وقد نكون متأثرين بلغة الكاتب الراقية والقوية، ناهيك عن اتقان مهارات الاملاء والخط الجميل حيث كان المعلم يرفض استلام التلخيص اذا كان الخط سيئا مما يجبرنا على الأناة وتجميل الخطوط لتصبح اكثر من مقبولة للمعلم ، أما طلاب اليوم تطورت الفكرة ليكون بدل التلخيص اجراء بحثا حول موضوع ما وهذا بحد ذاته شيء جميل ولكن للأسف في التطبيق نتجت مخرجات غاية في الخطورة على مستقبل هذا الجيل، حيث اصبح الطالب يقوم بعمليات السرقة للمعلومات من مصادر الانترنت المختلفة، يقوم بنسخها والصاقها الكترونيا وفي النهاية يكتب : اعداد الطلب فلان وجرت هذه الشاكلة امام اعينا جميعا دون الانتباه لخطورة ذلك فنحن عودنا طلابنا السرقة ونقل المعلومة حتى دون قرائتها وبمجرد ان هذا البحث المزعوم مزركش بطريقة جميلة باستخدام الحاسوب ليكون ذلك كافيا للحصول على علامة عالية، بل تعدى ذلك الأمر لشراء ابحاث جاهزة من المكتبات "العلمية" بمبلغ زهيد ليحصل الطالب على العلامة وهذه دمرت قدرة الطلبة على البحث واصبح اكثر اتكاليا، ولصا محترفا، والأخطر من ذلك ان امتدت هذه الظاهرة لطلاب الدراسات العليا في الجامعات لنرى هذه الظاهرة موجودة بكل أسف بين الكثيرين من طلاب العلم والمعرفة.
 
- العقاب والثواب:-  العقاب كان له دور كبير في تعلمنا ولولا اننا كنا نخاف سلطة المعلم لما تعلمنا ؛ ولنكون أكثر جرأة في الاعتراف بهذا الدور للمعلم، فقد كانت وزارة التربية والتعليم تقوم بتطبيق فلسفة اسمها ، التربية ثم التعليم، أما الآن وبعد ان اهملت الوزارة نصفها الأول الأساسي (التربية) فقد امتد هذا الاهمال ليطال النصف الثاني من التسمية ليصيب التعليم في الصميم، وانا اختلف بالمجمل مع ما ذهب اليه علماء التربية باستبعاد العقاب عن العملية التعليمية حيث اثر هذا بالمنتج النهائي للتعليم، وليس بالضرورة ان يكون العقاب بدنيا ارجو ان لا يفهم الموضوع خطئا، وانني أؤمن بأن العقاب والثواب يجب ان يسيران جنبا الى جنب وبشكل متوازي مع العملية التربوية كالميزان، فعندما يخطىء الطالب هنالك عقاب وعندما يصيب هنالك ثواب وتعزيز، فيرتبط سلوك الطلبة بهذا الميزان ويصبح الطالب يقيم الفكرة والسلوك قبل التصرف ويحسب حساب لكل شيء  وبخلاف ذلك ستكون العملية التربوية غير متوازنة وهذا ما حدث في الأردن مما أثرسلبا على مجمل العملية التربوية، فسلب المعلم لمركزه الاجتماعي والتربوي، لا يستطيع معاقبة الطالب على السلوك الخاطىء بأي شكل من الأشكال، وكذلك اصبحت كل التشريعات تجرم المعلم اذا قام بدورة كمربي واستخدم العقاب مع الطلبة، فأصبح المعلم بالعراء لا قانون ولا سلطه ولا نقابه تدافع عنه، وبكل سهولة يمكن توقيف المعلم بمخافر الشرطة بمجرد ادعاء طالب ضد معلم وقد يكون هذا الادعاء كاذبا، انظروا الحالة المزرية التي وصل اليها الطالب بسبب فلسفات التربية الدخيلة والمستوردة لمجتمعنا. مما جعل المعلم وحفاظا على كرامته ان يدير ظهره ويعرض عن المعاقبة، والنتيجة ...... دخان ومخدرات وغير ذلك في المدارس. لا خوف ولا سلطه تردع الطالب عن ارتكاب المضي قدما بهذا الاتجاه.
 
والقائمة طويلة ... فالمنتج النهائي لمخرجات التعليم في الأردن تكاد تكون سيئاتها اكثر بكثير من ايجابياتها وهي بالفعل بحاجة الى عملية مراجعة وتقييم واصلاح شاملة، كل ما اقوله ابعدو اصحاب الأفكار المسمومة والأفق الضيق عنه صناعة المناهج لأن ذلك جرنا الى ما نحن عليه، واستعينوا بخبراء العالم المتحضر ذوي الاختصاص وليخرج كل من ليس له صلة بعلم التربية من صناعة القرار ليكون قرارا تربويا مئة بالمئة،  وبخلاف ذلك سنظل نتخبط بمصير ابنائنا وننتج اجيال غير منسجمة مع ذاتها ومع والآخرين ... 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد