الحوار .. الصحافة .. وجمهورية الخيال وأسطورة الأدب الرفيع وبابلو كويلو - الصادق الرزيقي

mainThumb

25-09-2016 10:04 AM

الحوار باب لن يغلق ..  هي في الأساس ليست مخاطرة أو مغامرة سياسية غير مأمونة العواقب، أن ينعقد المؤتمر العام للحوار الوطني في غياب الآخرين، خاصة قوى المعارضة مهما كان وزنها وتأثيرها، فالعبرة هنا أن الحوار كان مفتوحاً للجميع وشارك فيه غالب المشتغلين بالشأن السياسي بينما قاطعه الأكثر ضجيجاً في الساحة من المعارضين الذين علقت على جباهم إنهم ظاهرة صوتية حقيقية بجانب حمل بعضهم للسلاح .. ومع ذلك يخشى البعض أن تغلق الأبواب وتطوى الصحائف، بنهاية الحوار الوطني  وإجازة واعتماد توصيات مخرجاته، لعل ذلك لن يكون صحيحاً،فالحوار باب مفتوح لمن يدلف أو يطرق راغباً في المشاركة، والمشاركة فيه لا تعني بأي حال من الأحوال الحصول على صك يعطي رصيداً كافياً للمشاركة في السلطة والتمتع بمحاصصاتها المنتظرة، فهو أي الحوار خطوة لبناء عقد اجتماعي والاتفاق على موجهات ستدفع البلاد لإقرار دستورها الدائم وتتفق كل قواها السياسية والاجتماعية على كيفية حكم البلاد والتوافق على نظام سياسي يتم فيه التداول السلمي للسلطة دون إراقة دماء أو حمل السلاح أو الانقلابات العسكرية الليلية التي تهجم على السلطة.
 
فالحوار لبنة من لبنات البناء الوطني كلٌ يشارك فيه بصدق ووطنية دون انتظار لجزاء ولا شكوراً، ومع ذلك ليس السابق فيه كاللاحق بالطبع، لكن لا أفضلية في العمل الوطني بالسبق بقدر ما هي بصدق التوجه وإخلاص النية، فعندما يترك الباب مفتوحاً لمن يريد الدخول الى باحة الحوار بالموافقة على مخرجاته او الدفع بأي مقترحات مفيدة في تنفيذ التوصيات وما تم الخروج به، فلا بأس ولا حجر، فالبلاد لم تزل حتى بعد نهاية المؤتمر وإجازة المخرجات في أول الطريق الصاعد نحو  الاستقرار والسلام والوفاق ، فمن يلتحق في أي مرحلة سيضع سهمه مع الجميع فلا رأي يضيع ولا فكرة تموت..  فلتبعد الاحزاب المعارضة ومن يحملون السلاح ويحلمون بالوصول للسلطة باسقاط الحكم القائم وازاحته ، فليبعدوا هذا العمل الوطني من التزيدات السياسية ، فالحوار لم يكن يوما من الايام مجيراً لصالح فئة محددة هو فكرة نبعت بمسؤولية وطنية يجب ان تكون ضالتنا جميعا نتحتضنها فجميعنا اولي بها ..
 
 
والحوار لن ينتهي بيوم 10/10/2016 ، لقد بدأ الحوار الآن .. الصحافة في خطر .. في اجتماعات الامانة العامة لاتحاد الصحافيين العرب التي عقدت الاسبوع الماضي في العاصمةالبحرينية المنامة ، خيمت علي الاجتماعات ونقاشاتها المثمرة ، قضية التراجع المخيف للصحافة الورقية، وهي أزمة عالمية تتبدى صورها في كل مكان تتعدد الأمكنة المرض وأسبابه واحدة، ولا تختلف الحلول وأنواع العلاج من بعد التشخيص من بلد إلى آخر، وليست الحلول هي تقليل تكاليف صناعة الصحافة الورقية، وهي عنصر من عناصر الحل لكنها ليست طوق النجاة الوحيد، فإذا كان الصحافيون العرب وهم جزء من العالم الفسيح يستشعرون هذا الخطر الداهم وهم في اجتماع اتحادهم يجمعون المعلومات التي تشير إلى تراجع الصحافة العربية بنسبة تصل إلى 40% في أفضل البلدان وأخرى إلى أكثر من60% ، بجانب حرية الصحافة المفقودة أو المنقوصة في الوطن العربي فهم يحسون بحجم الخطر لواحدة من أهم أدوات المجتمع في التنوير والتنبيه الوعي، فالإعلام الجديد وانفجاره الهائل بلا ضوابط أو قواعد مهنية وانتشاره الواسع وسيطرته على كل اهتمامات الإنسان وسهولة التعاطي معه، لم يعد بديلاً للصحافة الورقية التي تحظى نوعاً ما بثقة أكبر لدى المتلقي، إنما صار خطراً لا حد له على طرق تبادل واستخدام المعلومات بما يهدد تماسك المجتمعات ويعري حياتها ..  هناك بعض الحلول غير الواقعية بالنسبة لإنقاذ الصحافة الورقية، لكن على أي حال هناك محاولات وأفكار قد تجعل صحفنا الورقية تتجنب الكارثة وتؤجل وفاتها ..
 
 
فمن خلال ندوات وورش مقترحة لاتحاد الصحافيين العرب تعقدها الاتحادات الوطنية في بلدانها ثم تختتم بورشة جامعة في بيروت بعد عدة أشهر يشارك فيها صحافيون وخبراء وأهل اختصاص من العالم العربي وغيره وتأخذ بما خلصت إليه ورش العمل الوطنية ربما ينبثق حل ما، يطمئن من يعمل في مجال الصحافة الورقية . رفقاء في سفر عادة لا يمكن التخلي عنها، هو أن تختار في كل سفر رفقاء في الرحلة تستأنس بهم وتستمتع برفقتهم، ففي كل رحلة وسفر اختارهم من مكتبتي او كتب جديدة، وهم على الأقل أفضل ألف مرة من الثرثرة غير المفيدة مع من يجلسون بجوارك في مقاعد الطائرات او في قاعات الانتظار الطويلة في المطارات ومحطات القطارات، كان رفقائي قبل أيام أي رحلة ليست بعيدة، ثلاثة كتب جديدة اقتنيتها مؤخراً .. ما أمتعها وأثراها وأغناها!.
 
الأول كتاب يفسر لك العلاقة المعقدة في مستواها الثقافي والاجتماعي والسياسي بين الولايات المتحدة الامريكية وإيران ، وذلك من خلال الكتاب المدهش للكاتبة الإيرانية التي حصلت مؤخراً على الجنسية الأمريكية (آذر نفيسي) أستاذة الأدب في جامعة جون هوبكنز بالولايات المتحدة الأمريكية، وكتابها الذي كان رفيقي هو (جمهورية الخيال أمريكا في ثلاثة كتب) الكتاب صدر في 2014 لكنه لم يترجم للعربية إلا هذا العام طبع ونشر في العاصمة اللبنانية ، صدمت الكاتبة المنفي من بلادها وعاضت في العالم الحر أو ما ظنته حراً كما صدم قبلها عديد من الادباء والمفكرين الفارين من لادهم من أجل الحرية، فوجدت أن بلادها في ظل القمع كانت لا تطاق حيث كانت لا تستطيع قراءة رواية لوليتا للبريتو مورافيا داخل طهران، بينما وجدت منفاها الامريكي أكثر قسوة بقيمه الليبرالية وثقافة التوتير واليوتيوب وانعدام الخيال، حيث باتت القيم المادية طاغية على كل شيء حتى في الدراسة في الجامعات الامريكية التي بدأت في تقليص دراسة العلوم الإنسانية لتتيح للطلاب دراست علمية أخرى توفر لهم في النهاية وظائف جيدة، تخلص الكاتب وهي تشرح المجتمع الامريكي وثقافته وتكوينه المعرفي واتجاهاته وبعد أن تستعرض اهم ثلاث كتب في تاريخ الادب الامريكي لمارك توين كتابه (مغامرات هلكبري فن) الذي صدر  عام ١٨٨٤، ثم كتاب سنكلير لويس (بابيت) الصادر في 1922 والكتاب الثالث رائعة.
 
كارسون ماكالرز «القلب صياد وحيد» التي طبعت لاول مرة ١٩٤٠.، وتكتشف من خلا هذه الرويات التحل الذي طرأ علي المجتمع الأمريكي وتخلص في نهايات كتابها إلي إعلان أن أمريكا لم تسلبها ذاكرتها من بلدها الأصلي وأن أمريكا تعيش بلا خيال كحال المجتمعات الغربية، وتدعو إلى تأسيس جمهورية للخيال كحل أخير للمبدعين ليعيشوا عالم الرواية والحياة المتخيلة أو الحياة التخيلية .. لقد كان الكتاب خير رفيق وجليس ..  
 
أما الكتاب أو الرفيق الثاني فهو كتاب الباحث الاجتماعي العراقي الدكتور علي الوردي (أسطورة الأدب الرفيع)، وهو مجموع مقالات ومناقشات حامية دارت بينه وبين أدباء وأكاديميين عراقيين حول قيم الأدب العربي من جاهليته حتي اليوم وهي نقاشات عميقة ممتعة سبق أن طرحت في فترات مختلفة ومن سنوات طويلة لدى الكثير من النقاد، ويقوم الدكتور الوري بتحليل الأدب العربي كله خاصة الشعر تحليلاً اجتماعياً كصورة من صورة المجتمعات العربية عبر العصور المختلفة وأدواته في النقد هي نظريات علم الاجتماع ووصف الأدب العربي كله من الشعراء الجاهليين أنه أدب تكسُّب والتصاق ببلاط الأمراء والسلاطين والممدوحين وتفسخ ومجون لا غير ، ولا علاقة له بعوام الناس وغمارهم ، كما دعا الى تبسيط اللغة الى أدنى مستوى في وسائل الإعلام والصحافة، وتصدى له مخالفوه من الأدباء والأكاديميين العراقيين بقوة، وتحس قعقعة السيوف وطعن الرماح في مساجلاتهم الأدبية الممتعة من خلال الكتاب فهو ذا قيمة جيدة واستشهادات عميقة تشعرك بأجواء المعارك الأدبية التي كانت تدور في مصر العشرينيات والثلاثينيات حتى منتصف الستينيات من القرن الماضي .
 
اما الرفيق الثالث فكان رواية اللاتيني باولو كيلو الجديدة (الزانية) وهو صاحب الرواية العالمية ذائعة الصيت الخيميائي، وهي رواية تدور أحداثها في جنيف العاصمة السويسرية حيث تعمل صحافية مرموقة هناك تتضجر من حياتها الناجحة وزواجها المستقر وتلتفت الى نفسها وتقدم العمر والخوف من المستقبل ، الرواية تغوص في أعماق النفس البشرية وتنقل من يعمل في الصحافة الى أجواء العمل الصحافي مدلوقاً في ثنايا الرواية بتشويق مذهل وتكنيك في الكتابة أعطى بابلو كويلو هذه المكانة الرفيعة. .
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد