كيف اغتال عادل إمام ناهض حتر؟ - تاج الدين عبد الحق

mainThumb

26-09-2016 02:41 PM

بين اغتيال الكاتب الصحفي الأردني ناهض حتر، ومحاولة الاغتيال التي تعرض لها الروائي الكبير نجيب محفوظ قبل حوالي 3 عقود، تشابه كبير في الدوافع والأدوات.
 
كان محفوظ  اتهم من قبل الجماعات الإسلامية المتشددة بالكفر على خلفية روايته الشهيرة “أولاد حارتنا”، والتي كانت نشرت مسلسلة في صحيفة الأهرام قبل أن تطبع وتنشر في كتاب.
 
وعندما أطلق سراح من أقدم على تلك المحاولة، سُئل في مقابلة تلفزيونية: عما إذا كان قرأ الرواية قبل قيامه بالاعتداء على محفوظ أو أنه يعرف مضمونها، قال على طريقة الشاهد الذي لم يرَ حاجة “إنهم “قالوله “: إنها تدعو للكفر. وإنه بسبب ما قالوه له قام بالعملية دفاعًا عن الدين، وثأرا له، ودفعًا للمنكر الذي ورد في الرواية.
 
 كان الواضح من تلك الإجابة، أن الذي اعتدى على محفوظ لم يكن لديه أدنى فكرة عن مضمون الرواية، وليس من الأشخاص الذين لديهم علاقة بالكتاب، هذا ناهيك عن جهله التام بتكنيك العمل الروائي الذي يشكل في حالة أولاد حارتنا جزءًا لا يتجزأ من العمل نفسه.  وما ينطبق على محفوظ ينطبق على من اغتال المفكر المصري فرج فودة، ومن كفّر المفكر الإسلامي نصر حامد أبو زيد، فضلا عن عشرات المخالفين لخطاب التشدد على مدى سنوات من الصراع والخلاف مع الذين حاولوا اختطاف الدين وتوظيفه لحسابهم السياسي ومصالحهم الحزبية.
 
في حالة ناهض حتر، تتكرر الحكاية، فهناك احتمال كبير، ألا يكون القاتل اطلع على الرسم الكاريكاتوري الذي نشره حتر على صفحته على الفيسبوك، والذي قدِم بسببه لمحاكمة صاحَبَتْها حملة تحريض واسعة، جعلت منه هدفًا وصيدًا لمن جعلوا من أنفسهم سدنة للدين، وحماة له.
 
فالقاتل كما جاء في المعلومات التي تداولتها وسائل الاعلام عنه، بعد ارتكاب جريمته، لا يبدو من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، التي نشر عليها الرسم المتهم بازدراء الأديان؛ فهو مؤذن أو خطيب في أحد المساجد التي لا يتوافر فيها بالقطع تواصل مع شبكة الإنترنت، كما أن الظروف المادية للقاتل لا تسمح له -فيما يبدو- بدفع اشتراك شخصي بالشبكة، هذا ناهيك عن أن هذه الفئة من الأشخاص يعتبرون الإنترنت رجسًا من عمل الشيطان تجِبْ محاربته والابتعاد عنه!!.  وحتى بافتراض أنه اطلع على الرسم وفهم مضمونه، فإنه في الفترة التي ثارت فيها قضية ناهض حتر في الصحافة والإعلام ومن بعد في أروقة المحاكم، لم يكن موجودًا في الأردن حيث كان يؤدي فريضة الحج، الذي يفترض أن ينصرف شخص ملتزم مثله بكليّته إلى العبادة والذكر، والتوقف عن الانشغال بالدنيا وما فيها من منغصات وشواغل.
 
إذن فالاحتمال الأكبر أن يكون القاتل هو نتاج حالة تحريض ممنهجة، وأنه لم يكن سوى الأداة الطيّعة التي استخدمها المحرضون للقيام بجريمتهم. وإذا ما ربطنا هذه الجريمة بالضجة التي أثيرت حول الفتوى الغريبة التي أصدرتها دائرة الإفتاء الأردنية في الفترة نفسها والخاصة بجواز تعزية المسيحي،_ وكأن مسيحيي الأردن جاءوا بالأمس وليسوا جزءا من النسيج الوطني والاجتماعي للبلد __، ندرك أن هناك من يحاول تعكير صفو الحياة السياسية والاجتماعية الأردنية بشكل يشير إلى اشتداد عود العناصر التي تتماهى مواقفها السياسية والفكرية مع الحالة المضطربة التي يمر بها الإقليم .
 
هذا السيناريو أضعه أمام من يرى في حادث اغتيال حترعملًا فرديًا، ويرى فيمن نفذه ذئبًا منفردًا من الذئاب المنفردة التي كانت تسرح على مدى الشهور الماضية، هنا وهناك، في جرائم وأعمال إرهابية، أخطر ما فيها أنها تجر الأردن إلى مستنقع الإرهاب بالتدريج؛ ليصبح -دون أن يشعرأحد- قريبًا جدًا من بؤرة الاضطراب الذي تعيشه المنطقة.
 
لقد ارتكبت بعض الجهات المسؤولة في الأردن خطأ في التقدير، حينما شاركت بوعي أو دون وعي بحملة التحريض التي تعرّض لها حتر، وذلك حين سارعت في محاولة لامتصاص غضب الشارع من الرسم الكاريكاتيري، إلى اتخاذ بعض الخطوات والإجراءات التي فهم منها المتشددون أنهم قوة تملك القدرة على إرهاب الخصوم وتجاوز المؤسسات.
 
إن من يقرأ البيانات الصادرة عن بعض القوى والجهات التي تخفي تماهيها مع خطاب التشدد الديني والإرهاب الفكري، يدرك أن من اغتال ناهض حتر لديه حاضنة فكرية وربما تنظيمية، تتعامل مع الجريمة كعمل بطولي يستحق التقدير فيما هي تصدر بيانات أقرب لرفع العتب، أو كمحاولة لحماية النفس من المساءلة حتى لا نقول الملاحقة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد