اطلبوا الدين من مناهج فنلندا - د. ديمة طارق طهبوب

mainThumb

30-09-2016 02:24 PM

 انتشر قبل أشهر فيلم قصير للمخرج الامريكي الحائز للاوسكار والناشط السياسي مايكل مور يقارن فيه التعليم في أمريكا وفنلندا، مبينا أسباب تفوق فنلندا واحرازها الدرجات والنسب العليا في جودة التعليم بعد سنوات من الفشل والاخفاق المتكرر وكان مما ذكره تقليل ساعات الدوام والواجبات واعطاء الطلاب فرصة للانطلاق والنقاش وتجريب وتفعيل المعلومات في واقع حياتهم.

وقد يظن البعض ان فنلندا كونها من دول اوروبا التي تنتهج العلمانية وتفصل الدين عن واقع الحياة وتحصره في دور العبادة التي تشكو قلة المرتادين ستنتهج ذات الأمر في مناهجها لتشكيل الطلاب وتأهيلهم ليكونوا بذات العقلية منذ الصغر وهم على مقاعد الدراسة لتتلاءم مخرجات التعليم مع التصور العام للمجتمع وفكرة المواطنة التي تريدها الدولة غير ان العجيب الذي يدعو الى الدهشة ان الأمر عكس ذلك تماما واعتمادا على المواثيق الانسانية الدولية التي تنص على حق الطفل في الحصول على التعليم الديني قررت وزارة التعليم في فنلندا ان تعليم الدين الزامي في المراحل الأولى التي تمتد من سن ٧-١٦ وفي المراحل العليا من سن ١٦-١٨ على ان توفر المدارس المنهاج الديني للديانات المختلفة في البلاد وحتى الطلاب الذين لا ينتمون الى أي دين فيجب عليهم الاختيار بين مادة التعليم الديني او الأخلاقيات ولا يمكن الاستغناء بأي حال من الأحوال عن هاتين المادتين.
ويقوم التعليم الديني على معرفة أسياسات الدين وخصوصا اخلاقياته وكيف يتفاعل مع المجتمع المحلي ومع العالم بأسره ومجموعة العادات والتقاليد والممارسات المرتبطة به والهدف من ذلك كله تطوير شخصية مسؤولة وأخلاقية.
وتسجل آخر الاحصائيات في عام ٢٠١٢ ان ٩١.٩٪‏ من الطلاب تلقوا التعليم الديني التابع للطائفة اللوثرية و ١.٤٪‏ التعليم الاورثودكسي و ١.٥٪‏ التعليم الاسلامي ٠.٥٪‏ أديان أخرى بينما اختار ٠.٤٪‏ مادة الأخلاقيات.
تبدو هذه النتائج صادمة على أكثر من صعيد وتطرح تساؤلات عدة، فلماذا يعمد نظام علماني متفوق في الجانب التعليمي الى فرض التعليم الديني في مدارسه وعلى طلابه في الوقت الذي غير وبدل وأسقط الكثير من الحمولة الزائدة من الواجبات وساعات الدوام ونظام التلقين وغيرها؟! لماذا بقيت مادة الدين الزامية في المراحل التكوينية من شخصية الانسان لولا قناعة هذه الدول بأن القاعدة الاخلاقية للمواطنة الملتزمة والمنتجة لا يمكن ان تتشكل الا به؟
تضع هذه الأمثلة من أفضل النظم التعليمية على مستوى العالم من عدلوا المناهج في بلدنا بمسخ كل ما يتعلق بالدين واللغة في مقارنة سيئة ليست لصالحهم بل تثبت بطلان كل ما ادعوه من «تطوير» و»تنوير» ففنلندا عدلت في كل شيء في نظامها ولكنها لم تعدل عن الزامية التعليم الديني!
كنا لنقبل بأن نسير على خطى الدول المتقدمة تعليميا في زيادة مساحة التفكير الناقد والابداعي في المناهج او زيادة النشاطات غير المنهجية او التركيز على استخلاص العبر والاخلاقيات من الدروس النظرية ولكنها هيهات فما حصل خبط عشواء لفكر ومنهجية ترى في الدين تخلفا ورجعية فتسعى لإزالته والتقليل منه حيثما وجد!
لقد بلغت حضارة الأندلس مبلغا علميا ما زالت البشرية تتحدث به حتى الآن لأن مدارسها أدركت تلك المعادلة المتكاملة للنجاح فكان يكتب على باب كل مدرسة رؤية مفادها «تستند الدنيا على أربع: دعاء الصالحين وعدل الأكابر وعلم الأفاضل وشجاعة الشجعان».
دين وعدل وعلم وقوة أي منهج لا يعزز هذه سينتج افرادا قد لا يعانون من الأمية الأبجدية ولكنهم يعانون من الأمية الانسانية والثقافية والعلوم المجردة من الدين والخلق قد تكون سببا في فناء الانسان والحضارة وما نسينا هيروشيما ونجازاكي!
حتى الفيلسوف ول ديورانت في كتابه قصة الحضارة أكد ولم يستطع الا ان يعترف بأهمية الدين في تكوين الحضارة فذكر ان ايمان المجتمع واصطلاحه على قيم مشتركة اول المكونات ثم نظام حكم يوفر الأمن والعدل ثم وجود نظام تعليمي مميز.
حتى دائرة المعارف البريطانية كانت أكثر تبصرا من مديرية المناهج في بلدنا فلم تسقط أهمية التربية الروحية وعرفت التعليم education ودور المدرسة بما يلي: «التربية هي الجهد الذي يقوم به آباء شعب ومربوه لإنشاء الاجيال القادمة، ان وظيفة المدرسة ان تمنح للقوى الروحية فرصة التأثير في التلميذ»!
هذه بعض فلسفات التعليم في الدول المتطورة وهي بعيدة كل البعد عن التعديلات التي طالت المناهج الاردنية فأي رؤية وأي أهداف تتبناها وزارة التربية وهل يقود العملية مختصون في الأبعاد التكوينية والنفسية والتربوية لعقلية ونفسية الطلاب وما يلزمهم لتربية مواطن على خلق وعلم وانتماء واهل للمسؤولية؟
شوهنا الكثير في شكل وهوية بلدنا طولا وعرضا في كثير من المجالات فلنمنح الاطفال والطلاب فرصة ليشقوا طريقهم في مسيرة خالية من تشويه او تجاهل لدينهم ولغتهم وتاريخهم ومستقبلهم!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد