التضييق في .. زمن المخرجات - محمد لطيف

mainThumb

23-10-2016 09:53 AM

مملكة صغيرة تقع على سفح يطوقه وادٍ ونهر.. لم يكن أمر النهر يشغل شعب المملكة كثيرا.. فقلة تعمل بالصيد فحسب.. غير أن كل مصالح الشعب من أراض زراعية ومراع خصبة كانت تقع عند الوادي وعبره.. وقد كان معظم العام عنتا وعسرا على المملكة وأهلها.. كانت أشهر الخريف أشد مضاضة وضنكا في العيش.. عكس ما يفترض أن يكون عليه الخريف من سخاء ورخاء وهناء.. لم يكن للأمر صلة بكسل الناس أو تكاسلهم أو تواكلهم.. كلا ولم تكن للأمر صلة بسوء التدبير أو خلط الأولويات أو اضطرابها.. بل الواقع أن الخريف كان يحول بين السكان وبين استفادتهم من السهل الممتد خلف الوادي والمراعي المعشوشبة هناك.. فالمياه المنحدرة بشدة في الوادي كانت تقطع الطريق. على الشعب.. من أن يستفيد من تلك الفرص الاستثمارية الكبيرة خلف الوادي.. كان الوصول إلى السهل في فصل الخريف دونه خرط القتاد.. كانت هناك فرص محدودة ينجزها ثلة من القادرين وبعض ذوي الحظوة.. وبعض المغامرين ..!
 
وحين تعاظم الخطب.. واستفحل الأمر.. واستشرى المحل.. اجتمع الشعب.. تنادى الناس من كل حدب وصوب.. ليروا رأيا.. فلا يعقل أن يرى الناس الخير على مرمى حجر منهم.. ثم لا يتدبرون سبيلا لبلوغه ونيله.. وتبارى الخطباء.. وتداول الشعب في أمره.. الذي لم يكن عصيا على التدبر.. ثم انتهى اللقاء الحاشد.. لم يكن هناك حشد من التوصيات.. مما تعرف في عالم اليوم بالمخرجات.. بل هي خلاصة واحدة.. قرار واحد.. أن يبنوا جسرا.. يحملهم فوق ذلك الوادي إلى حيث الثروة.. أو بالأحرى إلى حيث أرزاقهم.. مما تنزل السماء وتنبت الأرض.. وتجود المراعي.. ثم كانت الخطوة التالية.. كيف يبنى الجسر؟.. كان طبيعيا أن ينصرف التفكير إلى الجهد الشعبي.. فلم تكن المملكة في وجهها الرسمي مشغولة بالأمر أو معنية به.. فتواضع الشعب على الاعتماد على النفس.. فبدأ جمع الأموال.. حتى اكتمل أو.. شارف المبلغ المطلوب على الاكتمال.. ثم حدث ما لم يكن في الحسبان.. أي حسبان الشعب ..!
 
أتذكرون النهر..؟ ذاك الذي لم تكن له قيمة عند الشعب..؟ لقد تقدم النهر فجأة وأصبح رقما لا يمكن تجاوزه.. فقد عشق الوزير فتاة في الضفة الأخرى من النهر.. وإذا كان الشعب يعاني في عبور الوادي للحصول على غذائه وحوائجه الحياتية في فصل الخريف.. فالوزير العاشق كان يعاني الأمرين في عبور النهر وبلوغ ديار محبوبته في ذات الوقت.. فأقنع سدنة الوزير سيدهم بأن الثاني لا يقل أهمية عن الأول.. إن لم يفقه.. سيما وأن الوزير كان يستبطن كرها مقيتا للوادي..
 
لسبب غريب.. فقد رأى فيه سبب معاناته وحرمانه.. فقد كان الوادي مصدر المياه الرئيسي للنهر.. فأطلق الوزير وأعوانه خطة الالتفاف والاختطاف.. الالتفاف على الشعب.. ثم اختطاف مشروع الجسر من الوادي إلى النهر.. ولم يكن الأمر عسيرا.. فصف الشعب كان كثير الثقوب.. سهل الاختراق.. ثم بدأت مساومة تاريخية.. انتهت إلى اتفاق.. يتنازل عبرها الشعب عن الجسر لصالح الوزير.. وفي المقابل يتنازل الوزير عن صلفه وتضييقه على الشعب طوال فترة الخريف.. وقد كان الشعب سعيدا ولسان حاله يقول.. ليس بالجسر وحده يحيا الإنسان ..!
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد