مستقبل الشرق الأوسط - د.حسين البناء

mainThumb

23-10-2016 09:27 PM

الشرق الأوسط لن يكون كما عرفناه سابقاً، فالكم الهائل من التغيّرات التي حدثت في أعقاب ثورات الربيع العربي وانهيار سوق النفط والتسوية النووية مع إيران وصعود نجم أردوغان في تركيا جميعها أعادت تشكيل خارطة القوى الإقليمية لبضعة عقود قادمة على أقل تقدير، ويتضح بأن الهيكلية الجديدة للمنطقة سوف تكون بيد إيران وتركيا وإسرائيل حصراً في ظل تراجع الدور الفاعل لكل من العراق وسوريا ومصر والسعودية ككتلة عربية "تقليدية" تحدد اتجاه بعض القضايا الأساسية للمنطقة.
 
بدءاً من الجمهورية الإسلامية، فإيران ليست حديثة عهد بالزعامة ولم تنس يوماً مجد إمبراطورية فارس والخلافة الصفوية  ولا حتى هيمنة الشاه لسنين ليست بالبعيدة على الخليج العربي، وهي تمضي قدماً لتجاوز العتبة النووية محققة أفضلية في المعرفة الذرية على مختلف استخداماتها الممكنة أكان في مجال الطاقة أو السلاح، وإيران تجري بخطى ثابتة متمتعةً بمرونة تكتيكية واستراتيجية في آن واحد، ويعزز تقدمها الدعم الروسي المباشر والجليّ في المحافل الدولية وفي ملفات المنطقة. 
 
وليس أوضح من الطموح الإيراني المتنامي والجاد في ما يحدث في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وربما تكون هذه الدول رهن مساومات وأوراق مقايضة لطهران على الملفات والمصالح القادمة لها في المنطقة مستغلةً كل ما يمكن توظيفه في تحقيق مشروعها الطموح، فهي تارةً توظّف الدين، فتقدم نفسها بالراعي الأبوي للمسلمين الشيعة في العالم وحتى العرب منهم (مستغلة أجواء الإقصاء والتهميش التي عاشها الشيعة في ظل بعض أنظمة المنطقة)، وهي تارة أخرى توظّف الصراع العربي الإسرائيلي فتقدم نفسها بالمقاوم في زمن الهزيمة، وتدفع بأداتها الأكثر قرباً وتأثراً على إسرائيل متمثلاً بحزب الله ليناور ويهدد شمال إسرائيل بما لديه من قدرات بشرية وصاروخية،  وهو ذاته الأداة الفاعلة بالمعادلة السياسية للداخل اللبناني، وبات مصير ملفات داخلية كالأمن وانتخاب رئيس الجمهورية والمقاومة والعلاقة مع إسرائيل مرتهناً برغبات الحزب وقدراته على التحالف والمناورة والاستقطاب. 
 
كما أنه لم يعد خافياً على أحد أن القرار والسيطرة في الشؤون العراقية أصبحا بيد طهران في ظل انهيار أمني واقتصادي جعل البلد ممزقاً ما بين الرغبة في الاستقلال للأكراد شمالاً والولاء لآية الله العظمى في الجنوب، وصدمة للوسط السنيّ المتعب. سوريا ليست أفضل حالاً، فالتحالف قديم بين نظام الأسد وإيران، فبعد الثورة السورية (وتمدد تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وغيرها من التشكيلات المسلحة) أصبح نظام الأسد كشبح يخبت ظله آيل للسقوط لولا المدد الإيراني بالمال والمقاتلين والمواقف السياسية ومقاتلي حزب الله ، مضاف له التدخل الروسي المباشر العسكري والدبلوماسي أيضاً الذي منح نظام الأسد فرصة البقاء. في اليمن صورة أخرى من النفوذ الإيراني، فالحوثي يتلقى المال والعتاد بشكل واضح من طهران مع حليفه المخلوع صالح، والتحالف العربي بقيادة السعودية لم يفرض السيطرة الكاملة على الأرض مع حلفائه من الثوار اليمنيين ويبدو أن الصراع سيزداد تعقيداً مع إصرار جميع الأطراف المتصارعة على الفوز بالمعركة على الأرض.
 
أما تركيا فهي تعيد تعريف نفسها بعد فشل الانقلاب العسكري وانحسار دور الجيش في الحياة السياسية، وها هو أردوغان يقود منذ سنين انتعاشاً اقتصادياً ملحوضاً ومرحباً به شعبياً، و تركيا دولة ذات حضور في الشأن الأوروبي وخاصة في ملف اللاجئين والحرب السورية وملف الانضمام للاتحاد الأوروبي. وربما يقدم نظام أردوغان نفسه قريباً كزعامة إسلامية "سنيّة" وكبديل كامل عن إيران الطموحة لقيادة المنطقة، ولا نعرف مدى انسجام ذلك مع التحالف مع إسرائيل على الصعيد العسكري الذي شابته بعض الشوائب في السنوات المنصرمة، وليس واضحاً كيف سيدار ملف مياه نهري دجلة والفرات الذي تتحكم به أنقرة على حساب العراقيين والسوريين، وربما يلتقي الأتراك والأيرانيين على ملف وحيد متمثلاً بمستقبل كردستان ومنع استقلاله.
 
إسرائيل خرجت أكثر ارتياحاً في ظل الشرق الأوسط "الجديد" المنهك بعد ربيعه الدامي وحرب الخليج الذين أقصيا أدواراً رئيسية -كانت سائدة لعقود- لدول محورية ذات توجهات عربية قومية واشتراكية كثالوث العراق وسوريا ومصر وتكتل الخليج العربي بقيادة السعودية، وإسرائيل تبدو مطمئنة بأن الحل النهائي للقضية الفلسطينية سوف يكون بأفضل حالاته في ظل هذه المتغيرات، ذلك كله وإسرائيل ما زالت تراوح مكانتها المتقدمة في القدرات العسكرية والنفوذ الدولي والعلاقات التاريخية مع أوروبا والولايات المتحدة.
 
مستقبل المنطقة سيكون نتاج تفاعل القوى العالمية مع اللاعبين الإقليميين كتركيا وإيران وإسرائيل، والمستقبل العربي قد لا يكون "طيباً" إذا ما وقع رهينة هيمنة أي من هذه القوى العالمية أو الإقليمية، لأن المنطق التاريخي يؤكد بأن مصلحة العرب تتحقق فقط بإيديهم وبقدراتهم الذاتية وليس تحت أي سيطرة خارجية، لأن مصالحنا "كأمة عربية" قد تلتقي أحياناً وقد تتنافر مع طموحات ومصالح  تلك القوى. من المفيد جداً أن تكون تركيا وإيران جزءاً من العمق العربي في خدمة قضايانا ومصالحنا  الاستراتيجية، ولكن لن يكون من المفيد التبعية لمشروعهما، ويبدو أن الوضع العربي آخذ لمزيد من التدهور ما لم نؤمن بأن (التنمية الاقتصادية مدمجة مع الديمقراطية وتمكين الشعوب)  هي الحل الطبيعي والوحيد للتغيير والعبور إلى المستقبل.
 
 
 
(كاتب وأكاديمي / الجامعة العربية المفتوحة )


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد