معركتنا أبعد من انتخاب رئيس - جمانة حداد

mainThumb

25-10-2016 09:26 AM

انتخاب الرئيس، أياً يكن شخصه، وفق التركيبة السياسية القائمة، لن يبدّل الشيء الكثير من رؤيتنا للعمل المدني - الثقافي – الوطني. هذه الطبقة السياسية لن تنتج رئيساً إلاّ على صورتها. سيكون الرئيس مرآة لها، وفي أحسن الأحوال، مرآة ملطّفة بتقسيم الحصص وتدوير الزوايا وتبويس اللحى والتنازلات المهينة من هذا الفريق وذاك.
 
الرئيس الذي سيُنتخب، أياً يكن، سيكون رئيساً للعار المتواصل فصولاً دراماتيكية، ابناً "شرعياً" لهذه الطبقة المخيفة في مدى انحطاطها الذي تخطى كل "المعايير"، وكسر كل الأرقام القياسية.
 
لقد فسدت الحياة في بلادنا الفساد الأكول، الذي بلغ "المرتجى"، فصار يلتهم أهله الفاسدين بالذات، بعدما كان يكتفي بالتهامنا كمواطنين، وبالتهام البلاد. لم يعد ممكنا ارتجاء أيّ خير من هذه الطبقة السياسية. هي ذاتها، لم تعد تؤمن بذاتها، بعدما أضحت تسخر من نفسها، بالانقلاب العلني على مواقفها، على طريقة الكوميديا الجحيمية السوداء، الباعثة على الضحك الأسوَد، كما على القرف والاحتقار والتقيؤ.
 
سينتخبون رئيساً، عاجلاً أم عاجلاً. التسويات الرخيصة هي التي ستكون سيدة الموقف. لا يأملنّ أيّ "مواطن" في الرئيس الذي سيُنتخَب. ففي ظل هذه البنية المؤسسية والبشرية الفاسدة، سنحظى – إذا حظينا – برئيس هو "ضمير" هذه البنية الفاسدة.
 
هدفنا، كمواطنات ومواطنين مدنيين، الكفاح من أجل إنتاج بيئة وطنية تهيئ لقيام طبقة سياسية وإدارية نظيفة، تؤمن بالأخلاق أولاً، الأخلاق كسلّم قيم، وتؤمن ثانياً بدولة المؤسسات، دولة الحقّ والقانون.
 
معركتنا طويلة. في البيوت، في الكتب، في المؤسسات، في المدارس، في الجامعة، في المدينة، في الريف، بين الأطفال والأولاد، لدى الشباب خصوصاً، وفي أوساط الرأي العام التقليدي عموماً.
 
لن نترك وسيلةً للتواصل الاجتماعي. لن نترك تلفزيوناً. ولا جريدة. لن نترك زنقةً، ولا شارعاً. لن نترك شجرةً. لن نترك نسمة هواء. لن نترك ظلاً. ولا غيمة. لن نترك كابوساً يقضّ مضاجعنا. سنفتح الأحلام على آخرها. ولن نُعدم وسيلة مدنية، ديموقراطية، إلاّ سنغتنمها. سنزرع الأمكنة كلّها، بالأفكار، والآراء، والمواقف، وسنجعل عيوننا الناقدة في كل مكان، من أجل فضح كل فساد، وسنلاحق الطبقة السياسية أينما حلّت، ولن نترك أحداً من "شرّنا". ليس عندنا مطامع صغيرة. مطمعنا الوحيد هو المجتمع المدني، الذي وحده يقدر على إنتاج طبقة سياسية خلاّقة. نحن قد لا نكون قوةً ضاربةً في المجتمع. لكننا ننمو بتؤدة، وبصبر، وبتواضع، في كل مكان، وخصوصاً في أحلام الشباب.
 
معركتنا أبعد من انتخاب رئيس.
 
*نقلاً عن "النهار" اللبنانية
 
** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد