في الأزمات يظهر المعنى - هيفاء صفوق

mainThumb

26-10-2016 09:47 AM

< عندما تصدر الأحداث ضجيجاً، ويبدأ الكل في السؤال والرغبة في معرفة ما ستؤول إليه الظروف، يفترض أن يتحدث من هو واعٍ بتلك المرحلة ليطمئن الأفراد ليشعروا بقيمتهم ودورهم المساند، لا «لومهم» وإسقاط الظروف وصوت الضجيج عليهم. هذا يعتبر «ضعفاً» و«تبريراً» غير مقبول. في الأزمات يتخذ الواعون دائماً محورين أساسيين؛ الاعتراف بـ«مكمن» الخطأ من دون اتهام، وإسقاط هذا الضعف على الآخرين، وهنا يبدأ «تحمل المسؤولية». التطمين والهدوء، مع إيضاح السبب والمسبب ومحاولة البحث عن حلول واقعية منطقية، والبحث عن نقاط القوة للخروج من هذه الأزمة. من عيوب عدم الوقوف على الأسباب الحقيقية خلف أي انهيار أو فشل هو تمادي هذه الأسباب حتى تصل إلى واقع مرير لا علاج منه إلا في الاعتراف بالمسبب، الاعتراف بالقصور باب يفتح المعالجة وقطع المسبب من جذوره. لا مجاملة لتقصير بعد ذلك.

 

تمر المجتمعات الإنسانية بمراحل عدة بين صعود وهبوط، تفوق وانهيار، ولكل مرحلة أسبابها وظروفها وتقلباتها، تعيشها معظم المجتمعات، ويخضع الجميع لظروف متغيرة غير ثابتة، سواء أكانت متعمدة أم بسبب التقصير أم بسبب الجهل والإهمال، وينجو المجتمع الذي زرع في الأرض واستثمر في الإنسان ولم يعتمد على المتغيرات غير الثابتة، بل تجده استثمر في عقلية الفرد وحرره من التبعية من دون خوف، فجعل منه فرداً مستقلاً يعتمد على نفسه، وإن واجهته ظروف مالية أو اجتماعية أو صحية تجده ثابتاً قوياً يعرف كيف يتصرف في أحلك الظروف، بل سيكون هو الوحيد القادر على أن يساعد مجتمعة على النهوض مرة أخرى، وهذه حقيقة بعض المجتمعات، التي لم تعتمد فقط على خيرات الأرض، بل اعتمدت كذلك على العقول الواعية المدركة، التي تعلمت أن تزرع وتحصد بيدها، لكن هذا يتطلب أيضاً شروطاً:
 
أولاً: معرفة قيمة الفرد في هذه المجتمعات، بحيث إنها حين تتعرض للأزمات تظهر بقوة وتتحدث بموضوعية وصراحة، لا أن تتنصل من دورها، أو أن تسقط على أفرادها، لأن ذلك ضعف ويشتت أية قوة بشرية فيما بعد.
 
ثانياً: من الخطر جداً زعزعة الشعور بالأمن الاقتصادي وإعطاء فرصة للإشاعات والأقاويل، لأنها تعتبر العدو الأول لزعزعة المجتمعات. الشعور بالأمن الغذائي والاستقرار من الأساسيات التي تشعر الإنسان بقوته، وتعطيه حافزاً أكبر للنهوض والاستمرار وعدم الضعف.
 
ثالثاً: احترام «عقول الأفراد»، لأنها أصبحت واعية بما يدور حولها. لذا، مهم جداً الصراحة معها وعدم إسقاط القصور عليها فقط.
 
رابعاً: لا بد من بث روح المشاركة بين الأفراد، وأنه عضو مسؤول ومكمل في المجتمعات من طريق المشاركة في تحمل جزء من هذه المسؤولية، سواء في المؤسسات والمؤتمرات والاجتماعات في كل المجالات، للبحث عن نقاط القوة والضعف، لكي يكون شبيهاً بالعصف الذهني، الذي حتماً ستكون نتيجته متنوعة وغنية عن أسباب الضعف والقصور.
 
خامساً: تأسيس مبدأ الشفافية والوضوح في كل الأعمال القائمة في هذه المجتمعات؛ كيف بدأت وكيف تطورت؟ وما هي أسباب ضعفها وفشلها؟ بمعنى أن يشاهد الضعف على حقيقته مع الابتعاد عن التبرير المغلوط والخاطئ والاعتراف بالمشكلة.
 
سادساً: فتح نوافذ جديدة لمصادر انتفاعية ربحية وتعليمية وعملية غير المصادر القديمة والتقليدية، وإتاحة المجال للجميع، الكل يعمل ويجتهد، ومن يعمل أكثر سيتطور أكثر، ولن يكون عبئاً على مجتمعه، لكن المهم عدم إغلاق مصادر الدخل المختلفة (إلغاء أنظمة الخدمة المدنية التي تعوق ذلك).
 
 
سابعاً: إيجاد قادة جدد، وتغيير النظرة القديمة في معالجة المشكلات، أي تطوير نظام إداري جيد، لكي لا يعاد وضع الحلول القديمة وتكرارها، لأنها ستعطي النتائج نفسها.
 
ثامناً: لا بد أن تكون ردود الفعل مدروسة وموضوعية، لكي لا تتسبب في مزيد من التأزم والصراع والغضب أو الخوف بين أفراد المجتمع.
 
تاسعاً: وضع أهداف مرحلية أساسية وثانوية لكل مرحلة بعد درسها، واتخاذ قرارات تراعي جميع الأطراف، وليس فئة على حساب الأخرى.
 
المجتمعات الآن تمر بأزمة حقيقية اقتصادية تعيد المبدأ القديم «القوي يأكل الضعيف»، وهذا يطرح سؤالاً مهماً؛ ماذا أعد كل مجتمع من مقومات أساسية للبناء وتجاوز الأزمة والسقوط؟
 
 
صحيفة الحياة 
 
 
جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد