الوسواس - أمينة خيري

mainThumb

27-10-2016 09:40 AM

وسواس قهري، ولعله رهاب من نوع خاص، أو كما يتم توصيفه شعبياً «هسهس». زلات اللسان ربما تعبر عن مكنون العقول، وقد لا تعبر. واختلاط الأسماء ربما يعكس حباً كامناً أو عشقاً رابضاً، ولكن ليس بالضرورة. وإذا كانت الموسوعة العلمية تعرف «الوسواس القهري» بأنه «الإيمان بفكرة معينة تلازم الشخص كظله، وتحتل جزءاً من الوعي، على رغم اقتناعه بسخافتها، لكنها تكون قهرية يصعب عليه إزالتها»، فإن قطاعات عريضة من المشاهدين أصيبوا بوسواس قهري ذي أعراض سياسية وعوارض عكسية تجعل المشاهد منتظراً متربصاً متخوفاً مخضعاً كل ما يصدر من هذا المذيع لتحليل وتفنيد. إذ ربما تكون كلمة هنا تعكس انتماءً سياسياً لا ينبغي له أن يكون موجوداً، أو تظهر عبارة هناك ترمز إلى هوى بعينه لا يجدر بقائله أن يتعلق به.

 

الأعوام القليلة الماضية شهدت استقطاباً غير مسبوق وتجييشاً غير معهود، وذلك في أعقاب تجربة حكم مريرة قائمة على حكم جماعة دينية قسمت المصريين آنذاك إلى فئة داعمة طيبة مآلها الجنة وأخرى معارضة ضالة عقابها النار.
 
وكانت النتيجة تصيُّد هؤلاء لكل ما يصدر عن أولئك، وتربص أولئك لما يتفوه به أولئك. وحيث إن الشاشات الأكثر مشاهدة بين المصريين، باتت الحزب السياسي والخشبة الإعلامية والمنصة الاجتماعية التي تعبر وتوجه و«تفش غل» الغالبية العظمى. فقد أصبحت هناك لجان إعلامية يقدر عددها بالملايين مهمتها الرصد اليومي وتحليل وتفنيد كل ما يصدر عن هذه الشاشات. فإذا قال أحدهم «الرئيس مبارك» من دون «أسبق» أصبح فلاً من الفلول وفاسداً من الفاسدين. وإن ذكر أحدهم دوره في الحرب أو مساهماته في سلم، تحول إلى منتفع ومنكفئ. ولو قالت إحداهن «الرئيس الأسبق مرسي» من دون تذييل الاسم بـ «الخائن» أو «الإرهابي»، فهي ذات هوى إخواني أو تقاضت الورقات الخضراء (الدولارات) مسبقاً. وإن أضافت لقب «دكتور» له، تفجر الهمز واللمز حول انتماءاتها الأسرية التي تميل إلى مصادقة المتطرفين. فما بالك إن قالت - ربما عن قصد أو سهو- في إشارة إلى الرئيس السيسي «الرئيس مرسي»؟!
 
ولأن «الوسواس» لا يعرف التحزبات، و«الهسهس» لا يتعرف بالأهواء، فإن الوضع ذاته ينطبق على من يقول أن الرئيس الحالي أحسن في كذا أو أنجز كذا أو أصاب في كذا. فلا تمر دقائق حتى يكون مرصد التلفزيون ومعمل تحليل جزيئات العبارات النابعة من الاستوديوات قد أخضعها لاختبارات العبودية والجهل والتبعية للنظام.
 
وعودة إلى الموسوعة العلمية التي تلفت إلى أن الهوس قد يصيب أي إنسان في فترة من حياته، لكن إن تدخل الوسواس القهري ليؤثر في حياته وأعماله الاعتيادية، فإن ذلك يحتاج إلى فاصل من دون أن يواصل. وبمعنى تلفزيوني، فإن الوسواس الإعلامي وكذلك «الهسهس» سواء كان خبرياً على الهواء أو حواراً مرتباً، إن وصل إلى درجة الهوس، يحتاج إلى وقفة علاجية.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد