تسيلا .. والوزير وذاك الفقير

mainThumb

22-11-2016 11:25 AM

رافقت اليوم صديقي العزيز في زيارة للعاصمة عمان لانجاز بعض الاعمال الخاصة به على ان نقوم بعد ذلك بزيارة لإحدى الاسر الفقيرة في الزرقاء .. اثناء مرورنا في شوارع عمان مر بنا صديقي من امام إحدى الوزارات .. فلفت إنتباهي وجود سيارة ضخمة تقف امام مبنى الوزاره وكان احد الموظفين ملامحة اردنية واضحه يقوم بتلميعها رغم انها تعمي الضو من كثرة اللمعان فسألت صديقي عن سر هذه السياره فقال لي بحماسة كبيرة انها سيارة نوع تسيلا يصل ثمنها الى مايزيد عن 150 الف دولار وهي سيارة الوزير .. ففغرت فاهي ثم تداركت نفسي وسالت : اليس هذا هو نفس الوزير الذي يخرج علينا كل يوم عبر شاسة التلفاز ويشكو من المديونية وصندوق النقد الدولي ويطالب المواطنين بشد الاحزمة وتفهم ظروف الوطن وعدم طلب زيادات في الرواتب ولا تخفيض في الاسعار وتوقع مزيد من الرفع حتى انني حينما شاهدته آخر مره جلست ابكي واصابتني بردية وحالات من فقدان الشهية وصرت افتش في بيتي عن شيء ما قابل للبيع لاساهم في الوقوف مع الدوله وفكرت مليا ببيع شنتة المدرسة العائدة لبنتي جود او بيع رمونت كنترول التلفزيون او البرادي او حتى ملاقط الغسيل لادعم الخزينه   ..
 
فتمتم صديقي بكلمات لم افهمها ربما نبطني فيها او نبط الوزير بتلعينه من الآخر ثم قال : حchي السرايا مابيمشي على حchي القرايا  .. ثم قلت له كنت اتوقع من هذا الوزير ان يذهب الى مكان عمله بسيارة كيا سيفيا او حتى على بسكليت او على ظهر حمار صليبي لكي يساهم في دعم الوطن ويوفر على الخزينه .. ثم سرنا بعد ان اكملنا بعض الاعمال في عمان وتوجهنا نحو مدينة الزرقاء .. سارت بنا السياره الاكسنت التي تقلنا بين ازقة واحياء مدينة الزرقاء حتى وصلنا لحي فقير في اطراف المدينه فتوقف صديقي امام احد البيوت ..
 
 ثم دق الباب فخرج الينا طفل صغير يبتسم رغم انها تلوح على ملامحه بعض مظاهر البؤس والفقر والحرمان فركض الطفل نحو صديقي الذي اكتشفت انه كان يداوم على زيارة هذه الاسرة المستوره ويتفقدها ثم ارتمى في حضنه كأنه رأى ملاكا او رسولا من فرح بعدها اخذنا الطفل نحو داخل البيت فوجدنا عجوز مسكينه تسكن بطن عتمة المكان والزمان وظلم المسؤول .. احسست حينما رأيتها انها أمي او أم كل انسان يفهم لغة البشر ويدرك معنى الانسانية قرأت في عيونهم خوفهم على الوطن واستعدادهم للموت من اجله والقناعه بان بلادنا فقيره وتحتاج للصبر والدعم والغاء الذات لعل وعسى ان يبدل الله الحال بحال افضل فخجلت ان اخبرهم عن سيارة الوزير التسيلا وعن اسطول السيارات والشوفيريه الذين وجدوا ليأمنوا مستلزمات بيت معاليه ليأكل ابناءه طعامهم طازجا ويأكل ابناء الوطن الفقراء الصبر والجوع والحرمان وان يشدوا الاحزمه كل وقت ... 
 
فناولها صديقي جركن صغير به شيء من زيت الزيتون اعتاد ان يرسله لهم كل عام كونه يمتلك معصرة زيتون ثم اعطاهم بعض الاشياء ومبلغا من المال كان بالنسبة لهم ربيعا حل فجأة على ربوعهم القاحلة الموحشه التي ليس لها ظهر ولا سند ولا عضيد .. واقسم بالله تعالى انني رأيت عينا صديقي وقد اغرورقت بالدموع خصوصا حينما رفعت تلك العجوز يديها نحو السماء وهي تدعوا له بالخير واخذت تقسم انها في هذا اليوم بالذات كانت تنتظر ان يطعمها الله من زيت زيتون هذا العام قبل موتها فاستجاب لها.. دعت لنا وهي تبتسم وتتمنى ان تقدم لنا اي شيء يقوم بواجبنا كما قالت ولكننا خرجنا ونحن ندرك تماما ان بيتها ربما يخلو من ملذات الحياة ولكنه مليء بالعفة وطيبة النفس فشعرنا بسعادة لايذوقها ولا يفهمها إلا من جرب ان يرى كيف تتبدل ملامح اليتم والحزن عند شرفاء وطني الحبيب من المستورين والمعوزين الى فرح  ..  وكم حزنت حينما عرفت ان صاحب البيت يطلب منهم كل حين الرحيل رغم انهم لايملكون مأوى لهم .. 
 
 
فتذكرت ذلك الوزير راعي  السيارة التسيلا  الذي اراد من امثال هذه الاسر العفيفه ان تشد احزمتها التي وصلت حتى عامودها الفقري دون ان يدري او ربما يدري ان ثمن سيارته التي يركنها كل يوم امام وزارته والذي يقوم ذاك الموظف ذو الملامح الاردنية بتلميعها قد تحل مشكلات مئات الاسر .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد