أردوغان ودرس نابليون - إدريس الكنبوري

mainThumb

30-11-2016 09:26 AM

تنبع المخاوف من الإجراءات التركية الأخيرة من أن يتخذها الحزب الحاكم وسيلة لتعبيد الطريق أمام الحزب الوحيد، وتتويج أردوغان سلطانا في بلد أنجز مسلسله الديمقراطي بصعوبة بعد سلسلة من الانقلابات المتتالية.
 
دخلت العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي فصلا جديدا من الشد والجذب، بعد تصويت البرلمان الأوروبي على قرار يطالب المفوضية الأوروبية وحكومات بلدان الاتحاد بتجميد مفاوضات انضمام تركيا مؤقتا، بسبب الإجراءات الأمنية وحملة الاعتقالات الواسعة التي يشنها النظام الحاكم ضد مئات الآلاف من المواطنين الأتراك، منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو الماضي. فحتى الأسبوع الماضي بلغ عدد المعتقلين أربعين ألفا، عدا مئة وخمسين صحافيا وقرابة ثلاثة آلاف قاض، لم توجه إليهم، إلى اليوم، أي تهمة ولم يتم تقديمهم للمحاكمة، زد على ذلك طرد قرابة مئة وثلاثين ألف موظف.
 
وفي الوقت الذي اشترط البرلمانيون الأوروبيون تراجع الحكومة التركية عن تلك الإجراءات البوليسية قبل العودة إلى المفاوضات، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن قرار التجميد “دون قيمة”. لكن رد الحكومة التركية لم يتأخر طويلا، ففي اليوم التالي هدد أردوغان بفتح حدود بلاده أمام النازحين واللاجئين الراغبين في دخول بلدان الاتحاد، ما يعني تمزيق الاتفاق الذي وقع عليه الطرفان في بروكسل في العام الماضي، والذي قضى بتقديم مساعدات مالية لتركيا مقابل وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا.
 
ومثل هذا الموقف من الجانب التركي لم يكن ممكنا قبل هذا الوقت، فحكومة أردوغان تدرك أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى تعاون أنقرة لوقف اللاجئين، الذين يثيرون قلق أوروبا بسبب المخاوف من الأعمال الإرهابية؛ كما أن أوروبا من جانبها تدرك أن هناك تحولات إقليمية ودولية تفسح المجال أمام تركيا للتلويح بمجموعة من أوراق الضغط.
 
فخلال الشهور الماضية حققت أنقرة تقاربا مع موسكو، بعد أن تم دفن قضية الطائرة الروسية عبر الاعتذار التركي الرسمي، وحصل تقارب بين الجانبين في الملف السوري؛ ولمزيد من الإزعاج أعلن أردوغان رغبته في انضمام بلاده إلى منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم روسيا والصين وعدة بلدان في منطقة شرق آسيا، وأعربت المنظمة عن ترحيبها بانضمام تركيا، وهو أمر لا بد أن أوروبا لا ترتاح له.
 
بالنسبة إلى أنقرة فإن الظروف الحالية جد مناسبة لتنفيذ سياساتها، موظفة لعبة التوازنات الدولية والإقليمية للمرور عبرها. فمنذ المحاولة الانقلابية الفاشلة وإعلان حالة الطوارئ تحولت الحكومة التركية إلى حكومة افتراس ضد كل خصومها الحقيقيين والمفترضين، بل إنها استبقت ذلك المخطط، الذي يبدو اليوم كما لو كان مرسوما سلفا، بمصادقة البرلمان التركي على قرار برفع الحصانة عن البرلمانيين في مايو الماضي، وتم بموجب رفع الحصانة عن 148 نائبا، 53 منهم من حزب الشعوب الديمقراطي، القوة السياسية الثالثة بالبلاد، الذي يتهمه أردوغان بأنه واجهة سياسية لحزب العمال الكردستاني المحظور، والذي يوجد في صراع مع تركيا منذ النصف الأول من الثمانينات.
 
بيد أن القضية التي تثير قلق الاتحاد الأوروبي أكثر من غيرها هي تهديد حكومة أنقرة بالعودة إلى عقوبة الإعدام، التي تم إلغاؤها رسميا عام 2004 في إطار الإصلاحات الهادفة إلى السماح لتركيا بدخول الاتحاد الأوروبي. وتقول تركيا إن إعادة عقوبة الإعدام سوف تمكن من عدم تكرار المحاولة الانقلابية مرة ثانية ومن معاقبة المنفذين للمحاولة الفاشلة، غير أن هناك مخاوف لدى الأوروبيين من أن يكون ذلك إيذانا بالتراجع عن المكاسب الديمقراطية في البلاد، وتصفية الحسابات مع خصوم حزب العدالة والتنمية الحاكم.
 
وبينما تعتقد حكومة أردوغان أن عقوبة الإعدام والاعتقالات يمكن أن تكون صمام أمان أمام الانقلابات العسكرية، تؤكد تجارب الانقلابات أن هذه الأخيرة لم تحصل سوى في البلدان التي تشهد نكوصا سياسيا عن الديمقراطية ونوعا من الحكومات الاستبدادية، كما أن وجود عقوبة الإعدام في القضايا المرتبطة بـ”الخيانة العظمى” في عدد من البلدان الأفريقية لم يحل دون تكرار المحاولات الانقلابية فيها.
 
تنبع المخاوف من الإجراءات التركية الأخيرة من أن يتخذها الحزب الحاكم وسيلة لتعبيد الطريق أمام الحزب الوحيد، على الأقل من الناحية الشكلية، وتتويج أردوغان سلطانا في بلد أنجز مسلسله الديمقراطي بصعوبة بعد سلسلة من الانقلابات المتتالية. وينظر الكثيرون إلى السياسة التي نهجها تجاه حركة الخدمة، حليفه السابق، كما لو كانت تجربة يمكن القياس عليها بخصوص انعدام الثقة بين حزب العدالة والتنمية الماسك بالحكم والأحزاب السياسية الأخرى.
 
لقد قال نابليون بونابارت عشية انتصار الثورة الفرنسية عن اليعاقبة الذين تحالفوا معه “لقد انتصرت بهم وعلي الآن أن أنتصر عليهم”، وهو ما يظهر أن أردوغان أراد القيام به تجاه حلفائه السابقين الذين ساعدوه في الوصول إلى الحكم عام 2003.
 
نقلان عن صحيفة العرب


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد