البقاء للأجمل! - سيلڤيا النقادى

mainThumb

03-12-2016 09:51 AM

نعم.. أعلم أن الكثير ليس لديه أدنى فكرة عما أتحدث عنه.. ونعم أعلم أن العديد من المثقفين يؤمنون أن مفهوم «الجمال» بشكل عام هو قضية هامشية!! ولم لا وهى بالفعل أصبحت غير مهمة بعدما أوشكت على الاختفاء والانزلاق تحت سطح ضجيج الكلمات والقبح المنتشر والذوق المنعدم، ومن ثم الغرق فى أعماق البحار ليبقى من معناها فقط «الكلمة» التى هى الأخرى يتلاشى وضوحها عاماً تلو الآخر.

 
على هذه الصفحة.. لا أتحدث عن الجمال بشكل عام، وإنما أتحدث عن جمال المرأة الذى أصبح يندثر ثقافياً من حياتنا - وكأنه أمر يدعو للخجل فى تجاهل مفتعل أنه أمر حيوى لكل من الرجل والمرأة.. بل إننى أؤمن أن الطبيعة البشرية لكل منا تحمل راديكالية شديدة لملاحظته وتقدير قيمته المعنوية والنفسية علينا، سواء كان هذا الجمال يعكسه وجه أو جسد امرأة أو أى عمل فنى يجسد هذا الجمال.. ولعلنا نتذكر مقولة أرسطو الشهيرة رداً على سؤال حول سر انجذاب البشر للجمال الجسدى؟ فرد قائلاً: «لا أحد يمكن أن يسأل هذا السؤال إلا لو كان أعمى، فالجمال البشرى هو رغبة لا حدود لها لرؤية وتخيل الإنسان المثالى».
 
هذه الطبيعة البشرية ثقافات كثيرة كبتها.. جمحها.. وأحياناً تكفيرها تعرضت للكثير من المفاهيم التى كانت تستغلها لأغراضها السياسية أو الاجتماعية أو الدينية.
 
ليس فى منطقتنا الإسلامية فقط بل ربما نتذكر فى ذلك الحركات النسائية فى أواخر الستينيات والسبعينيات وتأثيرها على عقول النساء والفتيات، الأمر الذى جعلهن يتمردن على شكلهن وأجسامهن باعتبار أن الجمال خدعة.. أسطورة تدفع للجشع والكراهية بين النساء وهو ما أدى إلى التعصب الجنسى والقفز على الموروث الجمالى والتخلى عن كل ما يساعد على إبراز جمال ومفاتن وأنوثة المرأة.
 
ولكن بالرغم من كل هذه المحاولات المحبطة لرغبة بشرية عميقة الجذور والتاريخ.. وبرغم كل هذه الشعارات المزيفة مازال الحب للجمال والسعى وراء تحقيقه هو غاية دفينة للبشر عبر التاريخ الإنسانى كله حتى وإن تم كبت جماحها أو اللعب فى مفهومها واحتياجها البيولوجى.
 
يذكرنى هذا الكلام بمقال كنت كتبته عن دمية خشبية يتم عرض الأزياء عليها فى متاجر وسط البلد، فقد كنت أسير وسط المحال والمتاجر المزدحمة وإذ أفاجأ بالنظرات «المبحلقة» للدمى العارية وهى تنتظر تغيير ملابسها، «فراح» خيالى مع الدمية وتخيلتها تقول: «عمرى 60 عاماً ولكننى لا أستطيع أن أحدد سنة صنعى فقط أعرف أن ملامحى لم تتغير، فمازال وجهى نضراً وجسمى مثيراً.. هكذا أتقن صانعى حرفته فحال دون زحف علامات الزمن على هيكلى الجميل الذى اعتاد ألا تستره ملابس فى كثير من الأحيان ويظهر عارياً أمام الجموع كلما أرادوا تغيير ملابسى أو نقلى من متجر إلى آخر.. فوظيفتى هى عارضة خشبية.. أقف صامتة أراقب الزائرين الذين كانت تفضحهم لغة عيونهم.. فكم تمنت عروس أن ترتدى فستان زفافى، وكم مرة اختلس الرجال نظرات على صدرى.. وحتى الأطفال كانوا يختلسون النظرات البريئة من أسفل ثيابى.. ارتديت البنطلون الكابرى والشورت فى الصيف.. مرات كان شعرى أصفر أو أحمر أو أسود..
 
طويلاً.. قصيراً أو مجعداً.. تزينت بأذواق جميلة من الرخيص والثمين، وكل رفعة يد وتقصيعة وسط وانحناءة جسم كان لها معنى ومغزى لجذب الشارى.. أدوارى العديدة منحتنى خبرات كثيرة منها ما كان يروق لى ومنها ما فُرض علىَّ، فلكل زمن حالة!! فارتديت الحجاب وحتى النقاب وعندما كان يحدث ذلك كان يتم نقلى فوراً بعيداً عن زميلى «الدمية» العارض.. ربما.. ربما لا أثير أو يثير فتنتى!! وفى مرة هرعوا بى إلى الشارع المزدحم وأنا عارية لنقلى إلى متجر آخر فطارت ساقى وهى تصطدم بأحد المارة!! فأكملت مشوارى مع العامل وأنا أسمع سبه وشتمه!! ومع ذلك كانت الفسحة مثيرة.. كرنفال من مشاهد الحرمان الجنسى إلى التحرش ثم إلى الاستغفار أو اللعنة!! واستمر بى الحال هكذا طوال المشوار مع هذا العامل المسكين الذى كان يريد التخلص منى بأى شكل حتى وصلت إلى المحل ووقفت عارية أنتظر من يأتى ليسترنى.. كل ذلك وأنا صامتة أراقب هذه النظرات المكبوتة التى تخترق جسدى حتى سمعت دوياً مفزعاً أطاح بنا كلنا فطارت الأيدى وانشقت البطون وانفصلت الرؤوس وبقيت أنا وحدى وسط الأشلاء لأجد من يهرع إلىَّ ويلتقط رأسى المنفصلة عن جسدى.. ينظر إليه.. ويقول: كم أنت جميلة»!!!.
 
انتهت القصة.. وانتهى خيالى معها.. ولكن لم ينته الحب للجمال أبد الدهر.. ولا عبر التاريخ الإنسانى.. شئنا أم لم نشأ!!.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد