أهذا هو الشرق الأوسط الجديد - فاروق يوسف

mainThumb

03-12-2016 10:02 AM

لم يتعب العرب أنفسهم في البحث عن المعاني التي ينطوي عليها مفهوم الشرق الأوسط الجديد الذي تم الترويج له علنا ومن غير مواربة، كما لو أنهم لم يكونوا معنيين بالأمر.
 
كانت الفكرة اختراعا أميركيا خالصا. لذلك لم يقتنع بها أحد؛ لا من المعنيين بالأمر ولا من المتابعين، العارفين بأسرار المنطقة.
 
كان الوعد الأميركي يقضي بولادة شرق أوسط جديد.
 
كعادتها لم تفهم الأنظمة العربية الأمر على حقيقته. اعتبره فريق من هذه الأنظمة نوعا من التكهنات التي لا أساس لها في الواقع، فيما نظر إليه فريق آخر من جهة ما يشكله من خطر على هوية المنطقة.
 
لم يخطر لأحد أن النظام السياسي العربي، بمجمله، صار عتيقا وباليا ومتهالكا ولا يعد بشيء حسن. النظام الذي فشل في وقت مبكر من عمره في الوصول إلى أهدافه القومية صارت شعاراته وهي كل ما كان يملكه عبئا على بشر، قُدر لهم أن يكونوا رعيته، حيث المواطنة مؤجلة لأسباب قومية هي الأخرى.
 
ما لم نكن ندركه من فشلنا كان مرئيا بالنسبة إلى العالم، وبالأخص الولايات المتحدة التي كانت تخطط لألفية ثالثة، يكون فيها العالم العربي موقعا لتصادم الرياح القادمة من كل مكان.
 
وإذا ما كان البيت العربي قد كشف عن اندثار أساساته من خلال غزو الكويت، فإن النظام السياسي العربي نفسه كان يائسا من قدرته على أن يتصدى لمعطيات مرحلة تاريخية، تبين له أنها أكبر من قدراته المتاحة.
 
لم يعد النظام الأمني كفيلا بضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم في عالم باتت الشفافية واحدا من أعظم شروطه وأكثرها قوة. وهو ما لم تكن الأنظمة العربية قادرة على استيعاب مفرداته وهي التي أقامت سلطاتها على احتكار المعلومة وعدم السماح بتداولها، تفاديا لما كانت تعتبره فوضى في المسؤوليات.
 
في خضم ذلك الفشل لم يكن رد فعل الأنظمة سوى الانغلاق أكثر على ثروتها من المعلومات الفاسدة التي لم تعد صالحة للاستعمال. وهو ما جعل الرئيس العراقي الراحل عاجزا عن البوح أثناء محاكمته بأي سر، يفاجئ به العالم، بعكس ما توقع مناصروه.
 
فكل ما كان الرجل يعتبره أسرارا، كان العالم قد عرفه من غير أن تشكل تلك المعرفة خطرا على أحد. لم يُتعب العرب أنفسهم في البحث عن المعاني التي ينطوي عليها مفهوم الشرق الأوسط الجديد الذي تم الترويج له علنا ومن غير مواربة، كما لو أنهم لم يكونوا معنيين بالأمر.
 
وإذا ما كانت الألفية الثالثة قد بدأت بغزو العراق واحتلاله وتدمير دولته وتمزيق مجتمعه، فإن العقد الثاني منها قد شهد سقوط عدد من الأنظمة العربية، إضافة إلى تدمير مقومات العقد الاجتماعي في بلدين على الأقل من بلدان ما سُمي بالربيع العربي. وقد لا ينتهي ذلك العقد إلا بتدمير سوريا كليا، شعبا ودولة بطريقة ممنهجة.
 
ما الذي تبقى إذاً من الشرق الأوسط بصيغته العربية القديمة؟
 
ما لم يحسب له العرب حسابا أن تكون إسرائيل، وهي عدوهم التقليدي، متفرجة على خرابهم فلا تمد يدها إلى أنقاضهم وأشلائهم وبقايا حطامهم. لو وقعت حرب رابعة لكانت نوعا من الحل. غير أن تلك الحرب لم تقع، بالرغم من وقوع كل نتائجها. ثمن تلك الحرب دفعه العرب من غير أن تكلف إسرائيل نفسها بإطلاق رصاصة واحدة. فهل صنع العرب شرقهم الأوسط الجديد بأنفسهم؟
 
لو لم يقع الغزو الأميركي عام 2003 هل كان في إمكان دولة مثل العراق أن تستمر في ظل اندثار كل مقومات الحياة فيها؟
 
كان العراق في مرحلة احتضاره الأخيرة حين أطلقت عليه رصاصة الغزو.
 
بسقوطه كشف العراق عن هزال ورثاثة النظام السياسي العربي الذي بدأت رحلة انهياره يوم وقف عاجزا أمام هول صدمة ما جرى للكويت.
 
يومها استغبى العرب أنفسهم حين أداروا ظهورهم إلى ذلك الشرق الأوسط الجديد الذي كان يولد بين أيديهم.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد