أزمة عمال جافكو ما بين المطرقة والسنديان

mainThumb

04-12-2016 11:09 AM

لا بد من حل سياسي يتوخى روح القانون
 
ما بين الظروف العامة المتفاقمة سوءً في البلاد، وتخبط شركة جافكو التي ينخرها الفساد في قراراتها المجحفة بحق عمالها، يبحث عمال جافكو عن حل يحفظ لهم كرامتهم ويؤمن لهم أدنى حدود المعيشة لسد احتياجاتهم الأساسية وفق حقوقهم كبشر في هذه المعمورة علهم يحققون ذلك من خلال إضراباتهم المتعاقبة حتى اليوم أمام وزارة العمل أو رئاسة الوزراء وأحياناً أمام مجلس النواب ومقر إدارة شركتهم بشارع عبد الله غوشة؛ فلماذا يتم تجاهل قضيتهم العادلة بهذه القسوة!؟
فيقف القانون عاجزا أمام التعاطي مع تفاصيلها!؟
 
 
ما زالت قضية شركة الأبيض للأسمدة والكيماويات تتفاقم في ظل ما يعانيه المواطن الأردني من صعوبات في الحياة وصلت حد الشعور بالامتهان من جراء التعامل مع هذه الأزمات بمرجعية القانون دون الأخذ بروحه لغايات فض النزاعات بين جميع الأطراف بدءاً من حقوق المستثمرين وصولاً إلى حقوق العمال- الجهة الأضعف- في هذه الحلقة، مع مراعاة الظروف العامة السيئة التي يعيشها المواطن الأردني العادي والمتمثلة في أسوأ أحوالها بالنسبة للعامل المغبون؛ ما يسترعي تدخلاً سياسياً يوازن بين جميع المصالح العامة والخاصة.
 
 
شركة الأبيض للأسمدة والكيماويات الأردنية (جافكو) تأسست عام 2007، لغايات إنتاج الأسمدة، والمواد الكيماوية في منطقة الوادي الأبيض بالكرك، وبالمشاركة مع شركة جافكو البحرين، والشركة العربية للتعدين، وشركة فينشر كابيتال بنك، وشركة الفارس للاستثمار والصناعة ،وشركة حقل البحر. وقامت شركة الفوسفات خلال عام 2011 بزيادة حصتها لتصل نسبة مساهمتها إلى 25% من رأس مال شركة جافكو والتي تنتج كلوريد البوتاس و كبريتات البوتاسيوم إضافة لبعض الأسمدة الكيماويه المركبة.
 
 
ومنذ إنشاء هذه الشركة الضخمة وبوادر فشلها تسير إلى هذا المصير المحتوم المتخبط من جراء السياسات الخاطئة التي أدت إلى مجيء هذا الوليد المعوق، "وكأن" الغاية من إنشائها هو فقط ذر الأموال في وجه الريح هباءً منثوراً بلا فائدة.
 
 
وينبغي أن نتذكر في هذا السياق دور العمال الاستثنائي في إنهاض الشركة.
وكانوا منذ البداية قد وجدوا أخيراً ملاذهم في هذه الشركة الطموحة بدافع الحاجة للعمل؛ لتأمين حياة كريمة لهم ولأسرهم، فقدموا المستطاع من جهد وفق ما أتيح لهم من مهارات مشهود لها، حتى تمكنت الشركة من تجاوز مرحلة الحبو، لتنهض من كبوتها الأولى، وبالتالي دفع عجلة الإنتاج إلى حدود التوازن والأمان، كي تشب هذه الشركة المتعثرة؛ فتتحول إلى شركة منتجة لتساهم حسب ما خطط لها في دعم التنمية الشاملة في الأردن؛ لكن ما حدث هو أن هذه الشركة تعثرت تالياً، وبدأت الاحتجاجات تتوالى من قبل العمال المغبونين حتى الآن، ولعل أبرزها ذلك الإضراب الذي نفذه العمال يوم الأحد الموافق 13مارس 2016 حيث طالب موظفو شركة الأبيض للأسمدة والكيماويات بإقالة الرئيس التنفيذي للشركة الدكتور إياد الهنداوي مزامنة مع امتناع الشركة عن صرف مستحقات العاملين، وهي إشارة إلى بعض أسباب الفساد الإداري الذي أربك الإنتاج، ما أدى إلى الإخلال في التوازن بين عوائد الإنتاج وتسديد النفقات.. الأمر الذي راكم من مديونيتها، فاستمرت الخسائر المالية حتى تجاوزت حد ال 70 بالمائة (كما تشير إليها القرارات المصيرية الأخيرة للشركة)، والظاهر أن آخر اجتماع لمجلس الإدارة لم يكن موفقاً في إيقاف نزف الخسائر ما كان سيعرضها لإعلان الإفلاس الأمر الذي كان سيُوجِب بتدخل النظام القانوني لبدء عملية التصفية بحيث تقوم المحكمة على إثر ذلك بتعيين مأمور تصفية مسجّل لديها لتفكيك أصول الشركة وسداد الدائنين.. وهذا ما لم يحدث، لذلك -كما يبدو من سياق الأحداث وتداعياتها المتسارعة- التجأ مجلس الإدارة إلى التوقف نهائيا عن العمل بموجب المادة 13 مما قد يترتب عليه إنهاء عقود عمل غير محدودة المدة أو تعليقها كلها أو بعضها، وبالتالي القيام بتبليغ وزير العمل (الجهة الحكومية المخولة بالتعاطي مع الموقف رسمياً) خطياً بالأسباب المبررة لذلك.
ويضمن القانون في هذه الحالة حقوق العمال المنصوص عليها في القانون.وهي لن تتناسب مع ظروف العمال وحقوقهم المعنوية في أزمة طالت كل جوانب حياتهم النفسية والاجتماعية.
إذ يتمتع العمال الذين قد تنهي الشركة خدماتهم وفقاً للفقرة (أ،ب) من هذه المادة بالعودة إلى العمل خلال سنة من تاريخ تركهم العمل إذا عاد العمل إلى طبيعته وأمكن استخدامهم لدى صاحب الشركة من جديد.
ولكن الطامة الكبرى هو تطبيق القانون بحذافيره في حالة تصفية الشركة أو إعلانها الإفلاس في شركة بحجم الأبيض للأسمدة والكيماويات (جافكو)، فهنا لا بد من التعامل مع الموقف بروح القانون والتدخل سياسياً لفض النزاع العمالي القائم، لأن نتائج المعالجة بالقانون المجرد وفق المادة 51/ب من قانون العمل سيتسبب بتفاقم الأزمة، لأن المقام هنا يتحدث عن مئات العمال الذين يحملون على عواتقهم مسئوليات أسرية كبيرة، وخاصة أن هذه المادة تقضي بصرف ما يعادل -فقط- أجرة شهر واحد من المبالغ المستحقة لكل عامل.
 
 
وفي سياق هذه القضية أقترح بأن يكون هناك حل سياسي لهذه الظاهرة التي تكرر حدوثها في الأردن لأن إجراءات وزارة العمل قد تكون مقيدة بأحكام الفصل الثاني عشر من قانون العمل الأردني بحسب المادة (120) والتي تخول الوزير بإحالة النزاع إلى لجنة وزارية توفيقية إذا وصل إلى طريق مسدود؛ لأنه وبحسب البند (ج) من المادة (121) فإنه إذا لم يتمكن الوزير بدوره من تسوية النزاع فيتوجب عليه إحالته فوراً إلى مجلس توفيق بناءً على المادة (122)/ الفصل 12 والمعروف أن البند (أ ) منها يعطي صلاحيات معينة للجنة التي يرأسها الوزير نفسه لإيجاد تسوية بالطريقة التي يراها ملائمة.
 
 
وفي تقديري بأنه من هنا يكون للسياسة دورها في تحسين النتائج مع مراعاة حقوق كل الأطراف على اعتبار أن الظروف العامة للبلاد في وقتنا الراهن لا يمكن تجاوزها؛ وهذا في نظري سيعتبر من الإجراءات المناسبة والتي قد تراعيها المحكمة العمالية المحال إليها النزاع العمالي فيما لو فشلت اللجنة التوفيقية من حله على أرضية التفاهم وذلك وفق البند (أ) المادة (124) بناء على طلب الوزير والتي تقام عادة في وزارة العمل وبرئاسة الوزير نفسه لتعطى صفة الاستعجال وفق البند ب فيُتخد القرار قطعياً غير قابل للطعن أمام أي جهة قضائية أو إدارية خلال أسبوع واحد.
ويكون قرار هذه المحكمة ملزماً لأطراف النزاع، إلا أنه خلال فترة إجراءات المحكمة العمالية لا يجوز فصل إي موظف أو قيام العمال بعمل إضرابات تحت طائلة القانون الذي سيفرض على المخالفين غرامات مادية.
 
 
وفي محصلة الأمر فإن الفصل الثاني عشر يمكن أن يهيئ لحل أكثر إنصافاً وفق التعامل مع القضية بروح القانون مع تدخل سياسي لا يكتفي بتنفيذ القانون بحذافيره بل يمنح العمال تعويضات تتناسب والظرف العام السيئ الذي تعيشه البلاد، أسوة بما حدث في قضية ملح الصافي والمغنيسيوم مسبقا حيث كانت وزارة العمل جزءً من الحل.. وللتذكير فإن وزير العمل نفسه الدكتور علي الغزاوي كان المدير العام السابق لشركة ملح الصافي التي تعرضت لظروف متماثلة، ومعروف عنه قدرته الاستثنائية على تجاوز التحديات بحنكة واقتدار.. فهل تجد أزمة عمال الأبيض للأسمدة والكيماويات طريقها للحل المنصف سياسياً باستغلال روح القانون فيحظون بحقوقهم المادية والمعنوية التعويضية.. هذا مرهون بمدى قدرة صاحب الحق على الصمود.. وبتضافر كل الجهود لوضع النقاط على الحروف.. نقابة عمال الأبيض للأسمدة.. ونقابة المناجم والتعدين ممثلة بالنائب خالد الفناطسة الذي ما يزال يولي القضية جل اهتمامه، ، ثم وزارة العمل.. وأصحاب العمل واللجنة العمالية في مجلس النواب.. والإعلام الجاد الذي لا بد له من دور في وضع اليد على الجرح النازف.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد