هذا هو المعرض فأين هي بيروت؟ - جمانة حداد

mainThumb

05-12-2016 11:39 AM

إنه معرض بيروت العربي والدولي للكتاب. هذه هي الكتب، وهؤلاء هم الكتّاب، ولكن أين هي بيروت؟ نعم، أين هي بيروت؟ هو سؤالٌ يستغيث، لكنه أيضاً سؤال اتّهاميّ بالتأكيد، لأني أبحث عن بيروت التي تَرَبّينا على رمزيتها، بيروت المختبر، بيروت سلّم القيم، بيروت المعايير، بيروت القانون، بيروت حاضنة العروبة الحضارية، بيروت الكتاب، بيروت الثقافة، وبيروت الإنسان، فلا أعثر عليها.
 
إني أستغيث، لكني أتّهم. أتّهم، لا القائمين على المعرض، بل القائمين على بيروت بالذات، باعتبارها عاصمةً للبلاد، ورمزاً لها. هؤلاء هم الذين أوجّه اليهم السؤال، ويجب أن يملكوا الأجوبة التي تروي غليل المدينة وأهلها وسكّانها وزوّارها ومريديها.
 
أتوجّه بالسؤال إلى هؤلاء تحديداً، لأنهم أمراء سياستها وطوائفها وحروبها، ومدمّرو تراثها، وإرثها، ومشوّهو صورتها المشعّة، أمام ذاتها، وفي العالم العربي، بل في العالم كله.
 
يخجلني أن هؤلاء الذين تعاقبوا على السلطة، ساهموا جميعهم، كلٌّ بطريقته، في إفقاد المدينة – العاصمة معناها الروحي، الحضاري، وفي جعلها مجرّد عاصمة باهتة، شبه ميتة، في منطقة عربية تعصف بها هلوسات الحروب والاقتتالات الدموية المدمرة.
 
كان في مقدور هؤلاء أن "يحيّدوا" بيروت، وأن يجعلوها بستاناً للسلام الخلاّق، ومختبراً للحرية والأفكار، وأن يحافظوا على طبقتها الوسطى (أين هي طبقتها الوسطى؟!)، لا أن يمصّوا دمها، ويشوّهوا معالمها، ويحفروا طرقها، وينشّفوا ماءها، ويسرقوا شاطئها، ويجعلوا أهلها، القسم الكبير من أهلها، على عتبة الفقر والعوز والتشرد والهجرة.
 
هذا هو معرض بيروت للكتاب، الذي يجب أن يرتفع كمنارة، في شوارع بيروت، وأن يقام في عقر مجلس النواب، وفي ساحة النجمة، وفي عقر السرايا، وفي عقر القصر الجمهوري، وفي ساحة الشهداء بالذات. من أجل استعادة "روح" هذه الأماكن. وأيضاً من أجل "تلقين" الجهّال معنى الكتاب والكتابة.
 
هذا هو مطلبي. المعرض مجرّد مناسبة للتذكير بالكتاب، وبالكتّاب. لكنْ، هل هناك "أمير" أو "زعيم" يستطيع بسياسته أن يذكّرنا ببيروتنا، هذه المرمية في مهبّ السياسات الصغيرة، والحروب الصغيرة، والنفوس الصغيرة، وفي أشداق المتكالبين للاستيلاء عليها؟ هل من مطرح في بيروت "السياسية" لفكرة جليلة، في مستنقع المحاصصات والتقاسمات والمبادلات؟ هذه المدينة التي استقبلت يوماً ليوبولد سنغور محاضراً، واستقبلت محمود درويش، ونزار قباني، وبدر شاكر السياب، ومحمد عبد الوهاب، وأمّ كلثوم، وزعماء المسرح والغناء والموسيقى والرقص في العالم، بيروت ساحة البرج، و... بيروت الشهداء أنفسهم، ماذا يفعل من أجلها هؤلاء الذين يحكمونها، ويمسكون برقبتها؟!
 
إنّي أستغيث، نعم، لكنّي أتهم!
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد