أنتم تخدشون حياءنا - فاطمة ناعوت

mainThumb

06-12-2016 09:41 AM

حسنًا فعل نائب البرلمان «المحترم» الذى فتح فاتورةَ «خدش الحياء»، لأن تلك الفاتورة مسكوتٌ عنها منذ دهور، حتى غدت من «الديون الميتة»، وفق المصطلح المُحاسبى، ومن الجميل والعادل أن نعيد فتحها لكى يسدّد المدينُ ديونَه لدائنيه، فيستقيم الميزانُ الصرفى فى أركان المجتمع.

 
المجتمعُ المصرى دائنٌ تاريخى لكثير من العملاء الجهلاء الذين ظلّوا على مدى خمسين عامًا، يسرقون منّا، ومن مصر، البراءةَ والرقى والتحضّر، ووجب الآن تسديد الفاتورة، وردّ الحقوق إلى أصحابها.
 
أنتم خدشتم حياءنا يا كلّ من جعلتم من المجتمع المصرى فِرقًا وشِيعًا وطوائفَ تتناحر بسبب اختلاف العقيدة؛ قبل مجيئكم التعس إلى حياتنا ما كنّا نقول: مسلمٌ ومسيحى ويهودى، بل كنّا نقول: نحن مصريون لا تُفرّق بيننا عقائدُ ولا مذهبيات. أزهقتم سلامَ المصريين اليهود فى أوائل القرن الماضى بعدما سَخّروا مالَهم وعلمهم وحبّهم لصالح مصر، حتى ضجروا من بلادهم وفرّوا من جحيمها إلى رغد بلاد أخرى، كرّمتهم. منحوها خيرهم فارتقت بهم، وخسرنا نحن وخسرت مصر. وها أنتم الآن تعيدون الكرّة مع المصريين المسيحيين فتُرهبونهم وتضيّقون عليهم رزقهم، حتى بدءوا رحلة الهجرة بعلمهم ومالهم ووطنيتهم، فكسبتهم البلادُ التى هاجروا إليها وخسرت مصرُ.
 
أنتم تخدشون حياءنا يا كلّ إرهابى دموى يكره السلام، فأجبرتمونا على زرع شرطى مسلّح على باب كل كنيسة. وهذا أمرٌ بغيضٌ لم أره فى أية دولة فى العالم سوى مصر، يُشير بإصبع خجولة إلى أن دور العبادة لغير المسلمين مهددةٌ؛ كأنها مبانٍ مشبوهة يجبُ تفجيرها وهدمها! أنتم تخدشون حياءنا بجهلكم بالتاريخ حين تغفلون أن مصر ظلّت قبطية مسيحية لستّة قرون قبل دخول الإسلام، وأن تهديد الكنائس وترويع المسيحيين مُجرّمٌ ومُحرّمٌ فى شريعتنا الإسلامية، وفى كل دساتير العالم وقوانينه.
 
أنتم تخدشون حياءنا حين تسمّمون حياتنا وتمنعوننا من محبة أشقائنا المسيحيين وتحرّمون علينا أن نهنئهم فى أعيادهم كما يهنئوننا فى أعيادنا. أنتم تقتلون البراءة فى أرواحنا وتعلّموننا أن نبغض ونكره مثلما تبغضون وتكرهون، ولن نفعل.
 
أنتم تخدشون حياءنا، يا كل من أهان رموزنا العلمية والفكرية والأدبية، فهجروا بلادنا وذهبوا إلى بلاد تُقدّر فكرهم وعلمهم، فارتقت تلك البلادُ بهم، وخسرنا وخسرت مصرُ.
 
أنتم تخدشون حياءنا، يا كلّ من حقّر من قيمة الفنون الرفيعة فى مصر، فبدأ الطلابُ يزهدون فى أقسام النحت والتشكيل بكليات الفنون، وهرب الفنانون إلى بلاد تعرف قيمة الفن، فارتقت بهم، وخسرنا وخسرت مصرُ. أنتم تخدشون حياءنا يا كل من قال إن «الباليه فنُّ العُراة!!»، فصدّقكم العامةُ وخسروا أن ترتقى أرواحُهم بهذا الفنّ النبيل الذى يُجسّد عبقرية خلق الجسد البشرى حين يحاكى الفراشات فى وثباتِها بين الزهور.
 
أنتم تخدشون حياءنا، يا كل من لا يرى فى المرأة إلا مركز غواية متنقلاً، فتدنسون ثوبنا الذى طهّره الله وجعلنا أمهاتٍ لعلماء العالم وعظمائه. أنت خادشٌ حياءنا يا من لا ترى فى جسد المرأة إلا الشهوة والغرائز، فجعلتم البنتَ تكره كونها أنثى، بينما العالم المتحضّر يُكرّم المرأة ويُعلى قدرها العالى أصلاً بأمر الله فجعلها مفكرةً وعالمةً وفنانة إلى جوار معجزة أن يُنتج جسدُها الضعيفُ جسدًَا بشريًّا آخر.
 
أنتم تخدشون حياءنا، يا من ترون البراءةَ دنسًا، فتفتّش عيونكم، التى هى فى أماكن أخرى غير رؤوسكم، عن القبح فى الجمال، والدنس فى الطُّهر، وتُسقطون علينا أمراضكم التى نحن بريئون منها، فتسقط مصرُ فى وحل الشائعات والركاكات الرخيصة، فلا نعمل ولا نُنتج ولا نتقدم، ويقضى الناسُ نهارهم وليلهم فى الثرثرة حول فستان هذه وسيقان تلك، بينما العالم من حولنا يقطع أشواطًا فى مجالات العلوم والفنون والإنسانيات، وتهبطُ مصرُ فى ويل الديون والرجعية.
 
أنتم تخدشون حياءنا، حين لا تميّزون بين الواقع والفن الذى يعرض أمراض المجتمع لكى يتطّهر منها. حين تفتّش عيونكم السقيمة عن الرذيلة بين سطور رواية تنتقد الرذيلة، فتجهلون أن هذا الروائى أو ذاك يُسلّط الضوء على ما هو موجود فى المجتمع لكى يُنقّى الثوبَ من الدنس. عيونكم تتوقف عند الدنس لأن فكركم انعكاسٌ لأرواحكم مثلما الفنون انعكاس للواقع بحلوه ومُرّه.
 
أنت تخدشون حياءنا، حين تُسقطون علينا ما بكم من عوار وأمراض، وهى حيلة ذهنية دفاعية تجعل ضمائركم لا تتعذب بآثامكم فترموننا بها ونحن منها براء. فالغرائزى الشهوانى يظن أن جميع الناس غرائزيون شهوانيّون مثله، فيرميهم بأمراضه؛ حتى يُطمئن نفسه أنه ليس وحيدًا فى دنيا الرذيلة. لا يرى البراءة والنظافة فى أى سلوك لأن عينيه المريضتين يملؤهما القذى والقيح، فلم يعد بوسعهما أن تريا إلا القبح والركاكة. هذا يشبه ما تكلم عنه أرسطو فيما يُعرف بـ«التطّهر الأرسطى»، وهو معالجة الداء بالداء بأن يُفرّغ المريضُ المسمومُ سمومَه فى قلوب الأنقياء، لكى يشعر بشىء من الراحة الوهمية والطُّهر الزائف، فيبرأ من بعض عذاباته.
 
أيها الخادشون حياءنا، ارتقوا فإن القاع امتلأ.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد