بين الوثنية والوثنية - حياة أبو فاضل

mainThumb

08-12-2016 09:27 AM

في البدء كان "الكلمة"، والكلمة تعني الصوت. لم تكن هناك حروف ولا كلمات، ولا مدينة جبيل ولا من يفاخر أنه أول من ابتكر الحرف ونشر الكلمات على القارات الخمس، فكانت اللغات وكان الكلام... انما كان الصوت الذي جاء عنواناً للبدايات، مركّباً من ذبذبات طاقوية. في البدء كانت الطاقة، ولما تذبذب بعضها، كان الصوت، وكرّت سبحة الخلق شاملة الأكوان بمجرّاتها المضيئة، وكانت الأرض، وكان إنسانها، والكل من الطاقة الواحدة التي حوّلت جزءاً منها الى "مادة" الخلق.

 
ولآلاف السنين انتشر إنسان الأرض في مسيرة تطوّر ترافقه الحيوانات والطيور والحشرات والاشجار والازهار والنبات ضمن عناصر الوجود الهواء والماء والنور والتراب والاثير... وكانت "حياة" تطوّر الانسان اثناءها معرفةً وفكراً خلال الفيات اكتشاف ودراسة واختراع، انما ظلّ يتطلّع الى مصدر يحميه من كل أشكال الخوف: من الطبيعة ومن الآخر الأقوى، ومن "موت" شكّل له مصدر قلق وجودي أخذه الى سؤال ظل من دون إجابة مطمئنة: ماذا بعد؟
وكان لكل شعب أساطيره بدءاً من حكاية آدم وحواء اللذين جسّدا وعي انقسام الطاقة الواحدة الى طاقة ذكورية Yang وطاقة انثوية Yin كي تستمر عملية الخلق من خلالهما. وجدير بالذكر أن الطاقة المنقسمة لما صارت "مادة"، تشمل كل ذي حياة من حيوان وطير ونبات وو... ومن اسطورة آدم وحواء جاء مبدأ "العقاب" الآتي من مصدر قوة خارج سيطرة الانسان الذي شيّد المعابد وقدّم الاضاحي لآلهة تحاسب وتغضب وتنتقم، فأصر على ارضائها من باب الرشوة كي يضمن لنفسه الخائفة بعض اطمئنان. ومرّت الألفيات وانفتح الوعي البشري في الشرقين الأقصى والأدنى على نبض جديد لعلاقة الأرض بالشمس وبالقمر، وكان اخناتون الكاهن الفرعوني أول الموحدين ومن دعاة عبادة الشمس لأنها مصدر الحياة على كوكب الأرض. وفي الهند دوّن الانسان حكايات علاقاته بكل مظاهر الوجود عارفاً أن هناك وحدة تضم الجميع.
 
هكذا بدأ الوعي البشري ينفتح على تكامل بين الانسان وبيئته ضمن محيطه القريب، ثم البعيد الذي استطاع رؤيته وسماعه. ثم بدأ يتخطى المعرفة التي من خلال حواسه الى عمق لامس عند البعض حنايا القلب، فكان الاختبار الروحي عند أفراد بلغوا ما بلغوه خارج إيقاع الجماعة، وكان للمعلمين الكبار أدوار أساسية في عمق حركة تطوّر الوعي البشري في مراحله بين الوثنية...
 
... والوثنية الجديدة. ولو دخلنا من البوابة المسيحية لنرصد مساحة استيعاب الوعي على مدى الفيتين للرسالة التي حملها للانسان السيد المسيح، المعلم الذي باح بسرّ وحدة الوجود الشاملة المصدر والخليقة، وما بلغ بوحه إلّا قلوباً قليلة بينها تلك التي لبعض المتصوّفين ولبعض القديسين وأفراد توزّعوا على كل مساحات الكوكب باحثين، عارفين خارج الطقوس الوثنية العائدة الى بدايات الوعي البشري.. قال المعلم: أنا والآب واحد، وأنا فيكم وأنتم فيّ وغابت الوثنية عن "ممارسة" قلة قبلية من أهل الأرض، وذلك خارج المؤسسات الدينية التي حافظت على تقاليد وثنية كثيرة على رغم رسالة المعلم الذي قام بزيارة الكوكب الأزرق قبل ألفيتين لافتاً الى أن الحب هو مفتاح الوعي الأوحد على طريق المعرفة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد