فلسطين فوهة البركان -عبدالحميد الهمشري

mainThumb

08-12-2016 10:05 AM

انطلقت  الانتفاضة الفلسطينية الأولى من بعد هدوء نسبي في الداخل الفلسطيني أعقب الخروج من بيروت  في ثمانينيات القرن الماضي وانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثامنة عشرة  دورة المخيمات والذي انعقد في الجزائر في شهر نيسان 1987م حيث أوصى بمواصلة  النضال الفلسطيني ، وكانت الترتيبات العودة للنضال من الداخل الفلسطيني حيث كان المرجل جاهزاً  للانفجار كون الترتيبات لها كان منذ ما حصل الخروج من بيروت ولكن كان يحتاج لمن يشعل وهج هذا الاشتعال، فكان يوم الثامن من ديسمبر/كانون الأول موعد هذا الانفجار  حيث انطلق من جباليا  في قطاع  غزة على أثر إقدام سائق شاحنة صهيوني بدهس مجموعة من العمّال الفلسطينيّين على حاجز «إيريز» الذي يفصل قطاع غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة  1948فكان هذا الحادث بمثابة  القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للعدو الصهيوني فكانت بداية لانفجار شعبي عارم شمل محتلف أرجاء الأرض المحتلة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها ليشمل كل حي وشارع وممدينة وقرية وضاحية في أرجاء الوطن الفلسطيني فكانت هذه بداية انطلاقة أطلق عليها الانتفاضة الأولى والتي استمر فتيلها مشتعلاً لمدة 5 سنوات وكان اشتعالها شرارتها يوم 8/12/ رتها من قطاع غزة الصامد وظلت مستمرة ولم تهدأ جذوتها إلا بعد أحداث جسام حصلت عطلت دور العراق عن القيام بدوره القومي  فجرى توقيع اتفاق أوسلو بين الكيان العبري الغاصب ومنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن منذ ما يزيد عن الـ  23 عاماً وما زالت الأحوال تزداد سوءاً والمجازر مستمرة والعالم يراقب دون فعل شيء لنصرة الشعب الفلسطيني وحمايته من بطش الاحتلال  ، انطلقت بعده أي بعد اتفاق أوسلو انتفاضتين الأولى في شهر أيلول 2000 والتي تمخض عنها إعادة احتلال مدن السلطة الفلسطينية التي تشكلت بموجب أوسلو وإقامة مستوطنات وجدر وشوارع التفافية للمغتصبين الصهاينة على أجزاء واسعة من مساحة الضفة الغربية المحتلة حيث كان لاحتلال بغداد الأثر البالغ في إخمادها ، ثم انتفاضة القدس في العام 2015  انتفاضة السكاكين  والتي انطلقت دفاعاً عن القدس ومنعاً للتقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى بين يهود والمسلمين والتي ما زالت شرارتها مشتعلة لغاية كتابة هذه السطور وتسير وفق خط مدروس نسقه ، ففي الوقت الذي يعتقد فيه العدو والقوى المساندة له بأن وهجها قد انخمد ينطلق الفعل من حيث لا يتوقع العدو الصهيوني وبأساليب لم يعهدها من قبل .

اسمحوا لي هنا أن أتناول ما جرى باقتضاب شديد في كل انتفاضة وما تخلل فترة الهدوء النسبي بين كل منها:  
* الانتفاضة الأولى: عمت المواجهات كل المدن والأرياف والأغوار والمخيمات في فلسطين المحتلة وكان الحجر سلاح المقاومين حيث تصدوا به لجيش الاحتلال بصدورهم العارية وقد كانت بداياتها عنيفة ومواجهات مستمرة ليل نهار أرعبت العدو الصهيوني والقوى التي تقدم له كل الدعم والإسناد حيث تفاجأ العدو بشدة وهجها ولم يكن يملك الخبرة في مواجهة أحداثها  رغم امتلاكه لترسانة تسليحية ضخمة وهذا يعود إلى أن أسود هذه الانتفاضة كانت غالبيتهم من الأطفال حيث فرض عليهم الحال الذي يعيشونه هم وأسرهم في ظل الاحتلال أن يهبوا لمقارعة العدو المحتل  الذي حرمهم من نعمة العيش الهانئ وممارسة هواياتهم أسوة بأطفال العالم فتقلدوا مسؤولية الذود عن وجودهم على أرض آبائهم وأجدادهم وقد كان لتبعاتها أن قدم الشعب الفلسطيني فيها تضحيات جسام  من  فلذات أكباده إلى جانب الخسائر المادية التي لحقت به جراء هدم منازل أبناء أسر المقاومين للاحتلال ، ناهيك عن انقطاع أرزاق الكثيرين جراء الإغلاقات اليومية التي كانت تتم جراء المواجهات المستمرة مع جيش الاحتلال .. 
 وما يسجل  للشعب الفلسطيني الأعزل أنه واجه عدوه المدجج بأعتى الأسلحة والدروع والدبابات بالصدور العارية وقد كان هناك استخدام مفرط للقوة في مجابهة أطفال لم ترهبهم عمليات القمع والاعتقالات حيث بلغ عدد الشهداء في هذه الانتفاضة التي همدت جذوتها بعد خمس سنوات من الكر والفر في الميدان بين جنرالات عسكر العدو وجنرالات أطفال صنعوا المستحيلات وصنعوا مجداً بالحجارة ستذكره الأجيال بصمودهم المنقطع النظير والذي أذهل القاصي والداني والعدو والصديق على حد سواء ، وكان للشرفاء في العالم العربي والخيرين في العالم دورهم الفاعل والمؤثر في إسناد هؤلاء  وكان للصحافة الحرة دورها المهم في تسليط الضوء على تجاوزات العدو وممارساته اللا إنسانية للجيش المحتل والتي كان لها أثرها البالغ في كشف أراجيف وأكاذيب العدو ووحشيته وقد استشهد ما لا يقل عن 1300 شهيد فلسطيني في تلك الانتفاضة غالبيتهم من الأطفال الذين لم يتجاوزوا سن الرشد  ناهيك عن آلاف الجرحى والأسرى حيث لم يخل بيت لم يقدم شهيداً أو جريحاً أو أسيراً أو فقده لمنزله جراء قيام الاحتلال بنسفه لقيام أحد أفراد الأسرة بمقارعته. 
وبعد انطلاقتها هال قوى من يقدمون للعدو كل الدعم والإسناد  وبدأت العدة تعد للالتفاف عليها حيث لم يتم التمكن من ذلك إلا بعد أحداث جسام حصلت في الجسم العربي كان من نتيجته تعطيل دور العراق في مجابهة المؤامرات على كياناتنا العربية بجملتها والتي ما زالت تجد من يغذيها من المعسكرين الشرقي والغربي فأصبحت منطقتنا ملاذ كل خارج عن قانون بترتيب مسبق ممن صنع الكيان الصهيوني بين ظهرانينا  .          
بعد اتفاق أوسلو جرت عودة لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ولعدد من مقاتليها وأسرهم إلى مدن الضفة الغربية وقطاع غزة والمخيمات فيهما ، لكن العدو حاول تدجين هؤلاء ليكونوا له السند والعون في ضبط الأمور الأمنية في المناطق الفلسطينية التي جرى احتلالها بعد نكسة حزيران .. وأمعاناً من قادة الحركة الصهيونية في وقف حتى اتفاق أوسلو جرى اغتيال اسحق رابين صاحب أسلوب تكسير عظام المقاومين من الأطفال في الانتفاضة الأولى ومن وقع على اتفاق أوسلو من الجانب الصهيوني من قبل متطرف صهيوني لمنع استكمال تنفيذ بنود ما جرى الاتفاق عليه .   
بدأ بعدها الخط العكسي المناهض لأي اتفاق حتى لو كان صورياً في تصرفات العدو الصهيوني الذي بدأ يستفز السلطة الفلسطينية رغم التنسيقات الأمنية بينهما باقتحامات متواصلة على المناطق التي تسيطر عليها  حيث تضاعفت مداهماته المتواصلة لمدن الضفة الغربية وقطاع غزة والمخيمات فيهما .. وارتفعت ترتيبات المغتصبين الصهاينة للتعدي على الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة في القدس ، والتي كان أشدها وطأة اقتحامات على المسجد الأقصى المبارك ، وما زاد من انفجار موجة الغضب التي كانت تعتمل في الصدور قيام شارون بزيارته الاستفزازية في العام 2000 للأقصى الشريف محاطاً بجنود جيشه الغاصب المدججين بأعتى الأسلحة في تحد صارخ للشعب الفلسطيني هناك ولقيادة السلطة الوطنية الفلسطينية ، فاشتعلت انتفاضة الأقصى في أيلول 2000 والتي استمرت مشتعلة حتى سقوط بغداد واحتلال العراق كاملاً من قبل الأمريكان . 
وما ميز هذه الانتفاضة أن المقاومين استخدموا السلاح والعمليات الاستشهادية داخل التجمعات التجارية والسكانية الصهيونية وجرت معارك ضارية مع جيش الاحتلال الصهيوني في رام الله مقر السلطة الوطنية الفلسطينية وجرت مواجهات دامية وقع خلالها مناضلون أسرى من أمثال مروان البرغوثي قائد كتائب شهداء الأقصى ومئات الشهداء وآلاف الأسرى والجرحى  وجرى تدمير مقار السلطة الوطنية الفلسطينية في كافة المدن الرئيسية والتي جرى بناؤها منذ الانتداب البريطاني لأرض فلسطين وجرت معارك ضارية في كافة مدن الضفة الغربية والقدس ومخيماتها وكانت أعنف تلك  المعارك معركة مخيم جنين الذي حوصر من كافة مداخله ومن حوله   ورغم ضآلة مساحته التي لا تتجاوز الكيلو متر المربع الواحد  استمر القتال حوله وفيه  مدة تزيد عن الأسبوعين ارتقى خلاله إلى العلا الكثير من الشهداء وجرى تدمير المخيم بالكامل ناهيك عن مئات الجرحى وقد حوصر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقر إقامته برام الله وبقي هناك حتى جرى تسميمه من قبل العدو الصهيوني فارتقى إلى العلى في أحد مستشفيات باريس في 11 نوفمبر تشرين ثاني 2004 .. 
لكن ما يحز بالنفس ما جرى بعد انتخابات تشريعية تمكنت حركة حماس من تشكيل حكومة قاطعها العالم الغربي والكيان الصهيوني وأحرج السلطة الفلسطينية في كيفية التعامل مع الواقع الذي أفرزته نتائج انتخابات المجلس التشريعي الديمقراطية وما حصل بعده من تفرد حماس في قطاع غزة وفتح  الممثلة للسلطة في الضفة الغربية حيث قام العدو بحربين تدميريتين على قطاع غزة سقط خلالها آلاف الشهداء والجرحى وجرى تدمير البنية التحتية للقطاع الصامد .. وآمل أن يتم رأب الصدع الفلسطيني وعودة اللحمة بين الحدثين التاريخيين  الضفة والقطاع الذي أفرزهما تقسيم فلسطين في العام 1948وقيام دولة الاحتلال  بموجب ذلك على الأجزاء الفاصلة  ما بين الضفة والقطاع .
 وبعد ذلك ووفقاً للقيادة الفلسطينية الجديدة بعد الرئيس الراحل أبو عمار فقد كانت تجري مقاومة العدو الصهيوني من خلال تظاهرات أسبوعية كانت تتم ضد الجدار العازل في بعض المناطق منها بلعين وكفر قدوم حيث يشارك ناشطون أجانب في هذه التظاهرات ، ورغم أنها سلمية فإن العدو يواجهها بقسوة وقد أصيب الكثيرون بالرصاص المطاطي وسقط شهداء في تلك التظاهرات الأسبوعية وعانى الشعب الفلسطيني من الشوارع الالتفافية التي أقامها العدو لتوفير سير آمن لمغتصبيه من الصهاينة الذين يتواجدون في المغتصبات التي أقامها الاحتلال في القدس وباقي الضفة الغربية أثناء تنقلاتهم.
وما زاد الطين بلة الاقتحامات التي ارتفعت وتيرتها منذ 2011 لساحات المسجد الأقصى المبارك من قبل متطرفيه من المغتصبين الصهاينة بحماية  جيش الاحتلال المدجج بالسلاح ومحاولاته المستمرة لفرض أمر واقع من خلال التقسيم الزماني لهذا المسجد حيث يتم فيه منع المسلمين من التواجد في المسجد وباحاته خلال فترات معينة يسمح لليهود فيها بممارسة طقوسهم في باحاته وهم يسيرون بخطى ثابتة وصولاً للتفسيم  المكاني فيه  كما حصل بالنسبة للحرم الأبراهيمي في مدينة الخليل.  
وهذا دفع الأردن والسلطة  الفلسطينية للوقوف في وجه المخطط الصهيوني الساعي للتقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى .. ولما ازدادت وتيرة محاولات الاحتلال في القدس اشتعلت الانتفاضة الثالثة انتفاضة السكاكين  التي انطلقت في شهر اكتوبر من العام  2015 والتي ما زالت مستمرة يخفت وهجها حيناً ويشتد حيناً آخر وما يميزها أنها تسير بنسق متناغم مع طموحات وأمال الشعب المنتفض وبوتيرة مدروسة ففي الوقت الذي يتوهم فيه العدو أنها انتهت لا تلبث وتنطلق عمليات أشد قسوة عليه وهذا ما أربك جيش الاحتلال والقيادة السياسية في الكيان الصهيوني حيث وقفت عاجزة عن لجم هذه الانتفاضة أو تدجينها فلجأت لسن قوانين عنصرية ضد االمقاومين الفلسطينيين  والعقاب الجماعي للسكان  من خلال هدم منازل منتفضي السكاكين ومحاولات تفريغ القدس من سكانها الفلسطينيين  والإغلاقات الجماعية ما بين مدن وقرى الضفة الغربية .. وتشكل هذه الانتفاضة رغم بدائية الوسائل المستخدمة في مقارعة الاحتلال صدمة لصانع القرار في الكيان الصهيوني  سواء الأمني أو السياسي وأظهرت فشلاً استخبارياً كبيراً لدى الاحتلال بعدم توقع الأحداث، إلى جانب عدم قدرة الحكومة الصهيونية على إيجاد وسائل ذات جدوى للتعامل معها.. ناهيك عن أنها تمثل تحدياً من نوع خاص لم تعتد عليه  تل أبيب ؛ من قبل فهي من جانب انتفاضة أفراد غير منظمين من الصعب تتبعهم، ومن الجانب الآخر قد تتحول مع مرور الوقت إلى انتفاضة منظمة يظل وهجها مشتعلاً  وفوهة بركانها تخبو وتنطلق وفي حال تحقق ذلك ستكون ضاغطة بشكل مؤثر على الكيان الغاصب وستفرض وقائع جديدة على الأرض لم تكن في حسبان العدو وداعميه  .
 وقد  بلغ عدد شهداء انتفاضة القدس التي انطلقت في الأول من شهر أكتوبر لعام 2015 عدة مئات من الشهداء ناهيك عن أعداد لا تحصى من الجرحى لمعتقلين وقد تصدرت محافظة الخليل قائمة المحافظات التي قدمت شهداء خلال الإنتفاضة، حيث ارتقى على أرضها 78 شهيداً، تليها القدس بـ57 شهيداً، ثم رام الله حيث ارتقى منها 24 شهيداً، ثم جنين بـ 21 شهيداً، ثم نابلس بـ 19 شهيداً، ثم بيت لحم التي سجلت ارتقاء 15 شهيداً، ثم طولكرم التي سجلت 5 شهداء، يليها محافظة سلفيت بـ 4 شهداء، وقلقيلية بـ 3 شهداء، والداخل المحتل بشهيدين وآخريْن يحملان جنسيات عربية، فيما سجلت محافظات قطاع غزة ارتقاء 34 شهيداً.ومن بين الشهداء 119 استشهدوا منذ بداية العام الجاري 2016 ووفقاً للفئة العمرية، فقد استشهد خلال انتفاضة القدس، 75 طفلاً وطفلة أعمارهم لا تتجاوز الثامنة عشر، ما نسبته 29%، وبلغ عدد النساء اللواتي استشهدن في انتفاضة القدس، 24 شهيدة، بينهنّ 12 شهيدات قاصرات أعمارهن لا تتجاوز الثامنة عشر عاماً. وقد بلغ عدد الشهداء من المستقلين ما تزيد نسبته عن حاجز 60 % في المجمل العام، مع بلوغ نسب المنظمين من الشهداء بنحو 23 % تقريباً والباقي من أنصار الفصائل فيما كان هناك شهيدين من مجمل الشهداء يحملون جنسيات عربية، وهما كامل حسن يحمل الجنسية السودانية، وسعيد العمر ويحمل الجنسية الأردنية.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد