يحدُث عندنا فقط - عثمان مزلوه

mainThumb

08-12-2016 10:12 AM

يتمتع كل مجتمع وفي كل دولة وبأي زمان ، بمزايا يختص بها دون غيره ، سواء كانت هذه المميزات إيجابية او سلبية ، والمتابع لشؤون حياتنا السياسية ، والإجتماعية والإقتصادية ، يكتشف بأن ما يحدث عندنا ، يحدث عندنا فقط ، دون غيرنا من المجتمعات  التي دائماَ نشير اليها بالبنان .
فمثلآ بعد نجاح ترامب بالرئاسة الأمريكية ليكون خلفاَ للرئيس الحالي باراك أوباما ، استوقفني تصرف للرئيس أوباما ، فبالرغم من أنه تزعم رئاسة اكبر دولة في العالم لمدة ثمانية سنوات ، ورغم الخلاف ما بينه وبين الرئيس القادم ، إلآ أنه ( اقصد أوباما )خصص رحلته الأخيرة الى المانيا ودول أوروبا ، ليقنعهم بحسن نوايا الرئيس القادم وأنه لا داعي لأي مخاوف لديهم من سياسات قادمه يمكن انتهاجها من قبل الرئيس ترامب ، وهذا كله لأن مصلحة الوطن اكبر من أي مصلحة أخرى .
هذا التصرف استوقفني وجعلني أتساءل ، لو كان وزير او مدير او مسؤول وعلى أي مستوى عندنا ، ويعلم أنه سيغادر موقعه وسيأتي شخص ليخلفه في هذا الموقع ، تُرى كيف سيتصرف ؟؟؟؟ اعتقد أنه وإن تمكن سيقوم بإغراق المؤسسة التي يرئسها او يديرها بالديون ، وسيصدر قرارات هدفها التنفيعات الشخصية ، عدا عن أنه سيحاول اثبات أن هذا الموقع لا يمكن أن يُدار بشكل سليم إلا من خلاله , وأن من سيخلفه (رح يلعن ابو هالمؤسسة ) أما اذا كان المنصب من العيار الثقيل ، فقد تكون ردة فعله اكبر من ذلك ، وسيطلق التصريحات هنا وهناك ليؤكد فيها أنه كان المخلص الأمين وقتها ، وأن الأوضاع الآن تنحدر للأسوأ واكثر من ذلك ، فحدث ولا حرج .
كذلك ما يميزنا سواء كنا مسؤولين او مواطنين عاديين هو ( نظام الفزعة) وقد اعجبني احدهم عندما قال المواطن عندنا في لحظة الفزعة مستوى انتاجه يفوق مستوى انتاج المواطن الياباني والصيني والألماني ، لكنها تبقى نظام فزعة  ، يعني فترة بسيطة ويعود كل شيء الى مجراه الطبيعي ، وهذا يتضح لنا عند حدوث أي شيء غير عادي ، فترى فزعة الأجهزة الرسمية والشعبية ، وهي دلالة على ضعف التخطيط المسؤول وعدم القدرة على إيجاد رؤى مستقبلية .
كذلك ما يُميزنا عن غيرنا ، هو أننا لا نسلط الضوء على الأشخاص المميزين والوطنيين ، والذين كان لهم بصمة مضيئة في سماء الوطن ، إلا بعد أن يفتقدهم الموت وينتقلوا الى جوار ربهم ، فنبدأ في اعلامنا المنقوص بالبحث عن سيرهم وصورهم لنستذكرهم ونذكر بصماتهم المضيئة في الوطن ، وتهرع الجهات الرسمية الى اطلاق أسماءهم على الشوارع بحجة ايفاءهم حقوقهم وتقديراَ لجهودهم ، لكن ذلك يحدث بعد موتهم ، وليته كان بحياتهم حتى يشعر المواطن أنه محل تقدير في وطنه بسبب إنجازاته وذلك في حياته وقبل مماته ، وامثلة ذلك كثيرة .
إضافة الى ما سبق فإننا بتنا نسمع عن شبابنا المبدع بعد أن يحصد الجوائز العربية والعالمية من مختلف وسائل الإعلام ما عدا المحلية ، وبعد أن يصحو اعلامنا ويحاول التعليق على الخبر ، فإنه يُشعرك بأنه يتحدث عن فئة وكأنها قادمة من الفضاء . 
أما ما يحدث لدينا دون غيرنا بإمتياز فهو الفساد بتشعباته ، فعند الحديث عن فساد شخص اثناء وجوده في موقع المسؤولية ، فإن الجميع يُنكر ويحارب ويحاول أن يثبت أن الفساد غير موجود في هذه المرحلة ، وتحديداَ في هذه الفترة ، حتى لو اضطر المسؤول الى حلف يمين على ذلك ، ولكن ما أن يتغير هذا المسؤول ويأتي آخر ، سرعان ما تبدأ قضايا الفساد بالتكشف اولآ بأول .
وهذا ما حدث مؤخراَ عندما ظهر تقرير ديوان المحاسبة ، وافصح عن جزء من الفساد والتطاول على مقدرات الوطن ، وقد تحدث الكثير عن هذا التقرير بإستثناء الأشخاص المعنيين بارتكاب هذا الفساد وهذا التطاول ، فلم يخرج مسؤول واحد يُبرر ما ورد بالتقرير ، ولو بعذر حتى لو كان عذر اقبح من ذنب ، فهذا ما يحدث عندنا وعندنا فقط .
اخيراَ فإنني اعتقد أننا نختلف عن غيرنا من المجتمعات ، فنحن أمة في وطن ، يسهل اجتماعنا ويسهل اختلافنا ، نحن مجموعة من المتناقضات ، ننتخب وثم ننتقد من ننتخب ، الكل يُريد أن يكون مسؤولآ ، حتى مع تمرير التوريث والتدوير في المناصب لم يعد كافياَ ، لأن الكل يريد أن يكون مسؤول ، والمسؤول يريد ان يبقى في موقعه الى يتوفاه الله .
نعم ، نحن مجموعة متناقضات ، كان آخرها مجلس النواب الثامن عشر ، حين صفق لبيان الثقة الذي تقدمت به الحكومة طلباَ للثقة ، وبعدها انهال النواب على الحكومة بالخطابات الرنانة والقوية ، ثم عاد الى مكان التصفيق ومنح الثقة ، هكذا نحن دائما لنا ما يميزنا  عن غيرنا ، فما يحدث عندنا هو عندنا فقط .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد