أدب السجون: انتصار القيد على السجان

mainThumb

08-12-2016 12:53 PM

رغم كل ما يعانيه الاسرى من اجراءات تعسفية وانتهاكات يوميه، إلا انهم لم يستسلموا لهذا الواقع المرير، بل قاوموا واستطاعوا أن يسجلوا انتصارات متعددة على السجان وفى أكثر من صعيد.
 
 صنعوا من المحنة منحة، وحولوا ظلمات السجن الى معاهد وجامعات تخرج المثقفين والمتعلمين واصحاب الشهادات العليا، والادباء والشعراء . 
 
وبالرغم من محاولات العدو الصهيوني لعزل الاسرى عن العالم الخارجي، حيث عمل السجان على قمع الأسرى وعزلهم، ومارس تعذيبه وقهره، ولجأ إلى منعهم من أبسط الحقوق الإنسانية مثل الحق في القراءة عبر منع إدخال الكتب، ومنعهم من حق الكتابة، فلم يسمح بإدخال الأقلام والأوراق الى السجون الا بعدد نضال على مدار سنوات سقط خلاله شهداء وجرحى، حيث ارتقى الأسرى في سبيل تحسين أوضاعهم المعيشية والإنسانية ، عبر مراحل نضالية طويلة ، فقد ظلت الحركة الوطنية الأسيرة ، تناضل أكثر من عشر سنوات لتستطيع أن تحقق انجاز امتلاك القلم والورقة . ويمكن لنا أن نتخيل الأوضاع الثقافية للأسرى في ذلك الحين، إذ انحصرت تجربتهم الثقافية في صور فلسفية غير ذات جدوى، وانحسرت خيالاتهم في رؤيا قصصية، تدفع إلى الركود والركون، وعدم التقدم بالحركة الثقافية, وهذا الحال ساد كافة المعتقلات بشكل عام، في بدايات تجربة الحركة الوطنية الأسيرة، التي كانت تمتلئ بالقمع والتنكيل، والاستهتار بالقيم الإنسانية، من قبل السجانين، " إلا أن العديد من المثقفين ، أخذوا على عاتقهم البدء بمحاولة التغيير التنظيمي، والثقافي ، فبدأوا بعقد الجلسات الثقافية، وإلقاء المحاضرات الخاصة بالصراع الفلسطيني الصهيوني، من أجل الاستقلال.وقد أبدع الأسرى الذين كتبوا خلف القضبان بواكير إنتاجاتهم ، أو أولئك الكتاب والشعراء الذين تم اعتقالهم فأكسبتهم تجربة الأسر آفاقاً رحبة جديدة ، فالتجربة الثورية النضالية والإنسانية غنية جداً ، رغم التضييق على الثقافة و مصادرها ووسائلها الذي استمر لفترات طويلة ، داخل السجون والمعتقلات ، وما زال مستمراً حتى اليوم، فلا عجب أن نجد إسرائيل كياناً يُمارس مصادرة الكلمة وحرية الإبداع ، كما أنها الكيان الوحيد الذي قام بتشريع التعذيب ، ضمن قانون مكتوب يسمح بتعذيب الفلسطينيين أثناء فترة التحقيق . "وقد أبدع الاسرى في مجال الكتابة والنثر والشعر، فيما عرف باسم "أدب السجون" حيث اصدر العشرات من الاسرى المئات من الروايات والقصص القصيرة، ودواوين الشعر، والخواطر ، والكتب، التي رصدت المعاناة وعبرت عن مرارة التعذيب وآلام التنكيل وهموم الأسير، وكذلك آمل الاسرى في الحرية . 
 
ومن خلف قضبان المعاناة ، ومن عتمه السجون والزنازين رفد الأسرى الفلسطينيون الأدب الفلسطيني بدوافع الإبداع وروافد التميّز ، لقد اكتسب أدب السجون خصوصية الثورة وعنف المقاومة ، ورقة العشاق وطهارة الانتماء ، ولكن الأدب الأسير لم يأخذ حقه في البحث والأضواء رغم أن السجن ظلّ من أهم روافد الإبداع والتطور الفكري والثقافي والأدبي . 
 
يقول الاسير المحرر والكاتب وليد الهودلي: " حيث اجريتُ معه لقاء عبر صفحته الشخصية على الفيس بوك وسألته : كيف للأسير أن يبدع ؟ فاجاب : من خلال الشعور بالتحدي وقدرة الاسير على تحقيق ذاته من خلال القلم.. اذا هو صراع ارادات بين سجان يريد أن يسرق من عمر السجين وسجين يريد ان يستثمر وقت السجن ويحقق هدفه من الكتابة وان يستمر في نضاله وجهاده من خلال العمل الثقافي والانتاج الادبى، فقد كتبت فى سجن النقب آخر رواياتي بعنوان " ليل غزة الفسفوري" اثناء العدوان على غزة عام 2008 وقد فازت في مسابقة في سوريا وطبعت هناك الطبعة الاولى ثم الثانية هنا وهناك ايضا قصة للأطفال عائشة والجمل .. ورواية أمهات في مدفن الاحياء عن حياة الاسيرات". اما الكاتب والاعلامي نواف العامر بعد إصدار كتابه المعنون ( أيام الرمادة… حكايات خلف القضبان) والذي تناول فيه قصص من تجربته الاعتقالية من داخل الأسر، وتحدث فيه عن تجارب الأسرى الفلسطينيين ومعاناتهم، ولم يغفل إبداعاتهم حيث كتب عبر ضفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي ." إن التعبير عن واقع الأسرى بطريقة أدبية أمر هام، ويجب أن يعطى له قدر كاف من المتابعة، لما للأدب من دور كبير في النفوس، التي تهوى العبير عن الألم والمعاناة بطريقة تنساب بكل وضوح وشفافية في النفس، مشيراً إلى أن هناك الكثير من القصص والأمور الكثيرة التي تحدث داخل الأسر، والتي يجب أن تروى جميعها كدليل على ما يمارسه الاحتلال ضد الأسرى. وقد اصدر مؤخرا الاسير الاديب" باسم خندقجي" والمحكوم بالسجن 3 مؤبدات ديوانين "طقوس المرة الاولى" و"أنفاس قصيدة ليلية" اضافة الى اصداره رواية "مسك الكفاية".بينما اصدر الاسير "عمار الزبن" 4 روايات من داخل الاسر، كان آخرها "خلف الخطوط" والتي رأت النور بعد جهود ومعاناة لتهريبا خارج الأسر، وتم تجميعها وترتيبها ونشرها حديثا ، وكان سبقها نشر ثلاث روايات الاولى هي : "عندما يزهر البرتقال" والتي صدرت عام 2007 عندما كان الاسير في عزل سجن بئر السبع الجماعي، والثانية "ثورة عيبال" والتي لا تزال حبيسة سجني نفحة وهداريم، والثالثة "أنجليكا" وهو اسم فتاة يهودية ساعدت أحد ابطال المقاومة الفلسطينية خلال انتفاضة الأقصى. بينما لم يمنع أعلى حكم في العالم صاحبه الاسير "عبد الله البرغوثي" من تأليف عدة روايات داخل الاسر وهى: "أمير الظل"، و"مهندس على الطريق"، "الماجدة" ، "ذكريات بلا حبر" ، "جواسيس الشاباك الصهيوني" و"المقصلة". بالإضافة لمن ذكرنا هنالك أسرى آخرون لديهم إسهامات أدبية خلف القضبان مثل الأسير ابراهيم حامد فقد أصدر كتاباً عن تجربته في العزل الانفرادي عام 2012. 
 
ورواية "حكاية صابر" للأسير المقدسي "محمود عيسى" ، و"عكس التيار" و"محاكمة شهيد" للأسير الصحفي "وليد خالد" .و"صهر الوعي" كتاب لِلأسير وليد دقة، ورواية "مسافر من أبراش المقابر" للأسير" رمزي مرعي"، بينما أصدر الاسير "محمد صبحه" كتب "حرب العصابات-بين النظرية العلمية والتطبيق الفلسطيني" و"بارود القسام" و"الصراصير- طريق الخداع" و"أمن المطارد"، بينما اصدر الاسير "حسن سلامة" كتاب "عميات الثأر المقدس لاستشهاد القائد يحيى عياش". وهكذا فان المشهد الثقافي داخل سجون الاحتلال اضحى من أهم معالم "الحياة الاعتقالية التي صاغتها الحركة الأسيرة منذ نشأتها قبل عقود فالمعاناة تولّد الإبداع ، الذى يعتبر تعبير عقلي قائم على مضمون وأحاسيس ، يرتفع بهم إلى الروحانية والإبداع الفني ، وهو أيضاً صناعة إنسانية ، تقدم للبشرية مادة جمالية بغرض إسعادها .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد