نقابة الأساتذة الجامعيين, متى؟

mainThumb

02-01-2017 10:35 PM

عند الحديث عن المجتمع المدني وبنيته التنظيمية فإنه لا يمكن تجاوز الحديث عن النقابات بجميع أشكالها كأحد أهم البنى الاجتماعية والمهنية في أي دولة حديثة وحرة، فالنقابات ليست بدعة ولا منحة، بل هي أحد أبرز مكونات هيكل مراكز القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للدولة الحديثة.
 
إن قوى الشد العكسي "الديناصورية" تدرك تماماً بأن مجال حضوتها ومركز قوتها مآلة التضاؤل أمام ولحساب تقدم قوى الحداثة والعصرنة كالأحزاب والنقابات والجمعيات والأندية، ويبدو أن هذه القوى "المحافظة" تؤثر جلياً على صنع القرار ويبدو أنها توظف ببراعة عامل التخويف والتشكيك في كل ما هو جديد وتقدمي في المجتمع، موهمةً الكثيرين من النخب والعامة بأن الوضع الراهن هو المجال الآمن للعيش.
 
إن تأسيس (نقابة الأساتذة الجامعيين) بات ضرورة وخصوصاً في ظل التطورات الأخيرة في الأكاديميا، فالأستاذ الجامعي بات يمارس ضده من الأعمال ما لا يمكن القبول به من استغلال وامتهان، فإذا كانت البنى الاقتصادية تعامل الأستاذ الجامعي بهذا "الاستخفاف" فما بالك بطرق التعامل مع الآخرين؟!
 
النقابة في أصلها مهنية التوجهات وقانونية التأسيس، وهي هيئة ذات شخصية اعتبارية لتمثيل مصالح شريحة المنضمين فيها أمام مراكز القوى وصناع القرار، ولتطوير آليات العمل الأكاديمي، والإشراف على فتح آفاق أكثر إيجابية للأعضاء وتدريبهم وتسويق جداراتهم وتعزيز قدراتهم، وهي جهة ممثلة وناطقة باسم الجسم الأكاديمي كاملاً في إطار أخلاقي وقانوني يكفله قانون وأنظمة تأسيس النقابة.
 
المشككون والمعرقلون لتأسيس (نقابة أساتذة جامعيين) يدركون تماماً تبعات إنشائها، ولكنهم يتعمدون تضخيم التخوفات من أن تنحى باتجاه ممارسة السياسة وفرض الأمر الواقع عبر ممارسات كالإضراب وغيرها. هذه المخاوف قابلة للتفهم ويمكن التعامل معها في أطر قانونية وأخلاقية. أما ممارسة السياسة فهي أصلاً متاحة ومشروعة ولها الكثير من الطرق عبر الأحزاب السياسة وبالتالي فممارسة النقابة للسياسة ليست بالتخوف العظيم ما دامت لا تبتدع محضوراً ولا تأتي حراماً، أضف إلى أن ممارسة الأستاذ الجامعي للسياسة خير من ممارسة "المراكز الاجتماعية المحافظة" لها.
 
أما فيما يتعلق بمخاوف ممارسات الضغط كالإضراب، فلطالما تم استخدام هذه الآلية في جميع دول العالم، وفي جميع النقابات، والتعامل الحضاري مع مثل هذه الممارسة ليس بالمعضلة التاريخية، فكل طرف يعلم تماماً وزنه ومقدار قوة الضغط التي لديه، وبالمقابل يعلم صانع القرار ومراكز القوى المختلفة حجم واقعية المطالب ومشروعية الممارسة الحضارية للشد والضغط في الإطار الاجتماعي والاقتصادي.
 
إن تأسيس نقابة أساتذة جامعيين باتت مطلباً ملحاً وأخلاقياً وقانونياً وشرعياً أكثر من أي وقت مضى، ويجب أن يدرك صانع القرار بأن مواجهة قوى ومؤسسات المجتمع الحضارية والتقدمية هو شبه إعلان باسترطاب الإبقاء على الوضع الراهن وتعزيز نفوذ قوى الشد العكسي الديناصورية، تلك القوى التي لم تجلب للأمة سوى الدمار والتطرف والتخلف. والله ما وراء القصد.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد