وصفي التل .. قَضِيَ الأمْرُ الّذِي فِيهِ تًسْتَفْتِيانِ - اياد المحادين

mainThumb

18-01-2017 03:27 PM

قلمي عزيزٌ بيدي وقولي كريمٌ عليَّ، ولن ادعي أنني ما أبث إلا تأثم، ولكن أجزاء مما أقول تحتاج بعض العقول إلى وقت لهضمه، وتأبى نفوسنا علم اليقين ولا تؤمن إلا بعين اليقين وعندها لا تسمن الكلمة ولا تغني من جهل، وها أنا ارمي بها بين طيات الزمان علّها تكون عبرة للقادم من الأيام.
 
قال الأمير باليان للسلطان صلاح الدين الأيوبي { أما من جانب قومك فإني أشفق على بعض ملوكهم من بعدك، سيكون مثالك ملهماً لبعضهم ومحرجاً لمعظمهم، والشعوب لن تتوقف عن المقارنة وهي مقارنة قاسية، قاسية حقاً }
 
خمسة وأربعون خريفاً ونحن نستذكر رحيل وصفي التل وهو لا زال مقيماَ في ذاكرتنا أردنيون رئيساً للوزراء، ولا زال الرؤساء يتتالون، ويخلف بعضهم بعضاً، ويخلّف كلٌ للآخر ما يخلّف، ويُخّلّف لنا معاشر الشعب ما يخالف، وكل ما جاء واحدٌ وضعناه في الميزان وخاصة عند موعد استلام معاش شهر تشرين الثاني من كل سنة فيدب الحنين والحزن والألم في النفوس، مثال بنون كانوا في عزة فتغشتهم الذلة بعد موت أبيهم، لان مقاسه لم يرقى إليه منهم احد، اتابكيا لا ايبكيا ، وشتان بين الخاتون والشجرة، ولا يزال الشعب يقارن بينه وبينهم فكان ملهماً لمقدار نصاب زكاة الزروع، وأما الباقي فمحرجاً لهم لا شك ولا ريب ، وهي حقا مقارنة قاسية ، فرب راغب ليس مرغوب، أو كريم ليس بكريم، أو معروفا ليس بمعروف، أو فائزاً ليس بفائز، أو عبد لله أو لغير الله عبداً، أو فيصلاً وهو مفصول، أم هو من الذهب أو من الحديد، وما سامر إلا سَرِس ، وما يدريك هنيئٌ هو أم تعيس، وصويحبات الواو متأهبة، 
 
ولم يرث المنصب كابرا عن كابر كما في حالات كثيرة ولعله يرتقي إلى ظاهرة، مما يؤدي إلى تصنيف الشعب من حيث يعلم القائم على ذلك أو لا يعلم، هذا مواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة .. .  فإن ذلك قائمٌ في واقع الحال وإن كان يخالف الأقوال، فاستخدام كلمة متنفذ، مدعوم، واصل، له واسطة، إذاً الشعب ليس متساوي في الحقوق والواجبات، وليس كلهم تحت القانون، فالفساد ليس منشأه عامة الشعب البسطاء والذين يدفعون ثمن هذه البساطة، والتي تستغل بشكل غير عادي، بل أن منشأ هذا الفساد على مختلف أنواعه من المسؤولين على إخلاف رتبهم، فهو الطريق لتغول على حقوق الآخرين، والاستئثار بمقدرات الوطن على اختلاف أنواعها من مناصب ووظائف مرموقة ورواتب عالية، ومقاعد في الجامعات ومدارس خاصة، ودروس خصوصية، وسواقين، وحياة رغيدة، ومساكن راقية، وسيارات فارهة، وبقية الشعب يعاني الأمرين فقر وجوع وألم، حتى بات شائعاَ المناصب شبه وراثية فمن أنت حتى تصبح وزيراً
 
قولوا لي كم ابن وزير لم يحصل على مقعد جامعي، كم ابن مسؤول عاطل عن العمل وإن كان عاطلاً،
 
كم ابن مسؤول لم يجد مصروف يومه، أو تغشاه البرد ولم يجد ما يلبس أو يدفئه، أو قل ما شئت أن تقول ثلاثة أسابيع بين التخرج والوظيفة في السلك الدبلوماسي، ثم تدعون أن الشعب ليس درجات، هذا هراء 
 
يا بني لو أن معدلك فوق المائة بالمائة وشاركت إياساً بالذكاء وابن ود العامري بالشجاعة، وظاهرة ابن هند في الدهاء، فلن تجد لك موطأ قدم بين من استعمروا مناصب القيادة والسيادة في هذا البلد فإنها أصبحت موروثة كابراً عن كابر،
 
فمثالا والأمثلة أكبر من أن تعد وتحصى، فأبني وهو في الصف الخامس الأساسي فاز بالمرتبة الأولى في التلاوة في لواء الجامعة وبقدرة قادر انقلبت النتيجة ليأخذ المرتبة الأولى طالب من مدرسة العمرية لأنها مدرسة خاصة وابني في مدرسة حكومية، ولو مرت السنوات والسنون لن ننسى ما حدث ولن نؤمن بتلك العدالة التي يدعون ، ثم في هذا العام تعقد أمانة عمّان دورة للطلبة المتميزين دورة مقابل مبلغ من المال ويتم اختيار ابني ثم تبلغنا الأمانة أنه لم يعد له مقعد ولا شك أنه أثر به أحد أبناء المسؤولين أو المتنفذين كما نسمع ،أم لأننا من الجنوب ونعامل وكأننا لاجئين في عمان؟ ولو امتد الزمان ما امتد، وكأنه يُصار إلى استعبادنا أو تهجيرنا، بعد الاستحواذ على مقدراتنا وحقوقنا، وما علموا أنا جذورنا ليس لها قرار بل هي  أعمق من جذور الزيتون الروماني في جبال الجنوب، فليس جذورنا كالنجيل ولا حتى القمح والشعير. فنحن أبعد من البتراء تاريخاً واثبت منها رسوخاً.
 
ومؤشرات المستقبل لا تنبأ عن خير، فهذا الاقتصاد قوام حياة الشعب ومستقبل أبناءه ، عنوان كتابه المديونية في تسارع مذهله، ومعلومات البنك المركزي وأرصدته من الذهب والعملات الأجنبية، قد كنا نسمع مثلها في 89 حتى أصبحنا يوما على حقيقة مره، فان الأستاذ فهد الفانك ذكر في مقالة له في صحيفة الرأي في عام 2012 تحت عنوان (هل الدينار قوي) أمراً مخيفاً للغاية وحديثه عن ميزانية 1989 حيث قال:" في ذلك الوقت نفدت العملات الأجنبية من البنك المركزي تماماً، وقد ظهر في ميزانيته لسنة 1989، ما يعادل 150 مليون دولار فقط هي في الواقع وديعة مقترضة من البنك العربي في البحرين لمدة ليلة واحدة هي ليلة 31/12/89 لكي تظهر في ميزانية البنك لتلك السنة ويستردها البنك العربي في اليوم التالي " والمعنى الذي تجنب ذكره هو أن البنك المركزي الأردني قد أفلس بين عشية وضحاها. 
 
وقد ذكر سلامة الدرعاوي في الرأي تحت عنوان (الاحتجاجات الاقتصادية.. أسبابها ومبرراتها) بتاريخ 3/7/ 2012 تصريحات الملك في مقابلة له مع التلفزيون الأردني أن هذا الحراك الاقتصادي كان نتيجة غياب عدالة التوزيع لثمار التنمية، وجلالته يؤيد هذا الحراك الموجة للحصول على الحقوق الطبيعية للمواطنين، فهم لا يستجدون أعطيات أو منحاً، بل هم يطالبون بمشاركة فاعلة في مشاريع التنمية تضمن لهم عدالة التوزيع لمكتسبات النمو الاقتصادي، ويتابع الكاتب القول: وماذا يعني أن الحكومة أنفقت أكثر من 700 مليون دينار على محاربة الفقر، وكانت النتيجة ارتفاع عدد جيوب الفقر من 20 -  30 جيباً في مختلف المحافظات؟.انتهى كلامه. فأين ذهبت هذه الملايين؟ ولا زالت هذه العدالة لم تتحقق. 
 
والسؤال الذي سيأتي يوما رغم انف كائن من كان، هل هذا الولاء والانتماء، والأمن والأمان، حقيقي أم مصطنع، فالأمن والأمان له قواعد، وليست شعارات رنانة، ( حكمت فعدلت فأمنت فنمت ) والقاعدة الشرعية في تحقيق الأمن والأمان والتي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز في سورة قريش، ( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) فالاستقرار الاقتصادي والسياسي جناحان متكاملان، فانكسار احدهما يعني تقويض الأمن والأمان، وقول الرسول صلى عليه وسلم:( من بات آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حِيزت له الدنيا بأسرها)، إذا الأمن والصحة والاقتصاد هم ملاك الحياة القويمة.      كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية في مصر وسوريا ...،  تسعة وتسعون وتسعة عشرة بالمائة، فمن الذين قاموا بالثورات، هل يعقل أن واحد بالألف نجحوا هذا النجاح الباهر، 
 
ولن أقول أن كلامي هذا ليس تأجيجاً للمشاعر، لكنه كرة في وسط الملعب، إما أن يسبق لها المسؤول فيلتقطها ويعالج ما من شأنه تصويب شؤون العامة وتحقيق العدالة والمساواة الحقيقية وليس مجرد شعارات، وهذا ما نتمناه، وإما أذا ما أهملها المسؤول وسبق إليها المظلوم والمحروم والمعدوم والمهضومة حقوقهم، فسيقرأ رسالة له من أبو قاسم الشابي مكتوب فيها:
 
أذا الشعب يوماً أراد الحياة             فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي                   ولا بد للقيد أن ينكسر
ومن لم يعانقه شوق الحياة             تبخر في جوها وانتثر
كذلك قالت لي الكائنات                وحدثني روحها المستتر
ودمدمت الريح بين الفجاج            وفوق الجبال وتحت الشجر
إذا ما طمحت إلى غاية                ركبت المنى ونسيت الحذر
ومن لا يحب صعود الجبال           يعيش أبد الدهر بين الحفر
فعجت بقلبي دماء الشباب             وضجت بصدري رياح أخر
 
وهذه الديمقراطية ومجلسها النيابي، مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ولعلني أطلق عليها مصطلحاً اقرب ما يكون لها هو الدكتاتمراطية
 
 وما الفرق بين السابق واللاحق ، وإن سبق السابق سابقيه، فتجد جملة من أعضائه يصبح معارضاً ويمسي موالياً يأتيه الهاتف عبر الأثير فيبع قاعدته الانتخابية و أفكاره ومبادئه بعطية من العطايا ، 
 
أما الحديث عن الثقة فقد قطع العرق وسال دمه كما يقول المثل (اللي بتقرصه الحية بخاف من جر الحبل)    
 
فالمجلس الوحيد  في تاريخ الأردن الذي تجرأ على حجب الثقة عن الحكومة وهي حكومة سمير الرفاعي في 20 نيسان 1963 -  وهذا الشهر له ما له بين أشهر السنة  -  
 
وفي اليوم التالي 21 نيسان شكل الشريف حسين بن ناصر الحكومة الجديدة وفي نفس يوم تشكيلها وأول عمل قامت به حل مجلس النواب بتهمة أن النواب الذين حجبوا الثقة لم يكونوا معبرين عن إرادة الناخبين! فكيف وصلوا إلى المجلس إذاً؟ ولا زال المجلس أخضر؟! فلعل النواب تابوا توبة نصوحا فما عادها عائد ولعلي تحدثت يوماً في احد مقالتي عن صناعة الغباء والقرود السبعة  
 
فمن يومها تلك الثقة أصبحت تحصيل حاصل ( بيروتوكول ) فليس هنالك قيمة فعلية لتصويت المجلس على هذه الثقة،
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد