عودة الاقطاع‎

mainThumb

18-01-2017 03:31 PM

 حدثنا عيسى بن هشام قال: شعرت بالاغتمام من سوء أحوال الأنام، فقررت أن أتدخل وليس من واجبي أن أتنصل، فعزمت المسير الى أي بلد فيه من الشر الكثير لعلي أنفع البرية من هذه البلية.. فاخترت كورة في بلاد الشام، عظيمة المقام يسكنها الكرام فيها ما لذ وطاب من كل شيء، تربتها سخية ومياهها روية،  ذات أنهار وأشجار فتن بها الزوار والتجار وتلهف على الاستئثار بها الشطار.

 
 ثم أني توجهت تلقاءها أتنسم أرواحها، لكن ما قطع مني النفس أن منعني العسس من دخولها، وتحججوا بأني لا أحمل جوازا ولا أوراقا ولم يعترفوا بي كإنسان، فاستدرت الى الوديان ولعنت هذا الزمان، ودون أن يحسوا بي تسللت من الوديان ودخلتها ليلا خائفا أترقب، وصرت من أحوالها أتعجب!!.
 
الناس فيها شقان شق حاكم وشق محكوم. الأول يعتاش على عرق الثاني وتعبه، ويمنع عنه اللقمة ليرميها في المزابل!! يتيه الأول على الثاني بالقصور والجواري والسيارات والأواني، ويحير الثاني كيف يطعم أطفاله ويكسوهم ويعلمهم!! ومن العجب أن الكثير منهم في اختلاط ويرى كل منهم الآخر، فلا الحاكم وأزلامه يرأفون لحال الفقير ولا الفقير يستطيع أن يرفع صوته بالجئير. فإذا حدث وانتقد أو تأفف من هذا الوضع المريض، يطلقون عليه رجالا معهم كأذاب البقر يضربون بها المساكين حتى يرضخوا لهذا الحال.
 
فقلت أبحث عن الأعيان القريبين من الناس، لعلي أجد عندهم حلا أو أداوي بهم جرحا، فوجدتهم أشد حنقا على الضعفاء من الرؤساء، فانتهروني وكادوا يرجموني، فعرضت عنهم وعددتهم من "السرسرية" الذين هم شر البرية، وبدأت أبحث عن العقلاء علّي أجد عندهم ترياقا لهذا الداء! فلم أجد عندهم الرواء، وكانوا أكثر الناس جدلا وذلا، يفلسفون القهر ويلعنون الدهر، أن جاؤوا في هذا العصر، فلم أجد فيهم ضالتي فانكفأت الى دابتي لا ألوي على شيء فقادني المسير وحسن التدابير الى بستان وارف الظلال بارع الجمال، فقلت أميل إليه أقيل تحت أشجاره وأدفع الحر بوارف ظلاله، وما أن دخلته حتى لاح لي فلاح هده التعب وأرهقه النصب، فاتجه إلي مرحبا، وهش وبش، وعرض علي الضيافة وكان في غاية اللطافة، فاعتذرت اليه، وحكيت له قصتي وبينت له قصدي، فتأوه وقال: أتظن أني أستفيد من بستاني هذا شيئا؟!! فقلت: ولمَ؟! فقال الحكومة يا خال!! فسردت له كيف من يعدون الكبراء صدوا عني ورفضوا قولي..( كأنهم حمرٌ مستنفرة فرت من قسورة)... فضحك ضحكة ملأت شدقيه وقال: ..(ذرني والمكذبين أولوا النعمة ومهلهم قليلا).. أتظن المستفيد من هذا الحال، ينقد بالمقال أو الفعال....!!
 
وفيما أنا معه على هذا الحال إذ أقبل الرجال يحملون الأغلال ولم يمهلوني.. وفي الحال قيدوني وما زالوا بي حتى ألقوني وراء الحدود، فأفشلوا مقصدي المنشود.
ورجعت أتيه في صحراء العرب دون دليل أو معالم تدلني على الجادة....


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد