عندما يفشل السياسيون ! - اياد المحادين

mainThumb

22-01-2017 08:25 PM

 هل تستطيع أن تعزو كل ما ذكر لأمر واحد..؟ أما أنا فنعم، فإنهم يعلقون فشلهم على شماعة المرحلة، التراكمات، القوانين والأنظمة .. ! 

يقول فقهاء القراءات أن مخارج وصفات الحروف مبنية على رياضة الفك، فالتنقل بين التفخيم والترقيق، والاستعلاء والاستفال، والهمس والجهر..، بحاجة للياقة، فالذقن والشفتان لكل منهما ثلاث حركات فقط، أما اللسان فله نحو سبعة عشر حركة،
وأنا أقول أن التجاذب بين قدم لاعب القدم والكرة كالمغناطيس، فمهما راوغ بها تبقى رهن إشارته كالسهم في كبد القوس عندما يطلقها نحو الهدف، حتى يصبح هدافاً.
 
والسياسة أكثر حاجة لرياضة الفكر والبديهة وحسن التصرف وفن التمريض، فالرسم البياني للسياسة قد يحتاج في بعض المراحل كل ملم واحد إلى نقطة انحناء جديدة، والتي تعادل على عقارب الساعة دقيقة واحدة فقط، في حين تعادل في بعض المراحل سنوات في عداد الوقت، 
 
فالسياسة ليس مبنية على القواعد إنما تتبع التحولات، فليس في السياسة لا صداقة ولا مصداقية ولا عداوة ولا حنبلية، وشتان بين الموظف في السلك السياسي مهما علت رتبته ، وبين المعالج السياسي، وبين المثقف السياسي، والفاعل السياسي، فأحيانا تجد وزير لا يعي من السياسة شيء، مع أن الوزير منصب سياسي، فوا حسرتاه على سياسي مهمش، ومنصب قَمَّشَ،  
 
ومع ما هو معلوم بالضرورة بالسياسة وفنونها نجد أن الفجوة تتسع بين الحكومات المتتالية وبين الشعب، ولا شك أن النظام موضوع في كفة الحكومة مباشر أو غير مباشر، وأهمها سببان لذلك، أولهما: أن الشعب لا يرى النظام إلا من خلال الحكومة، لأنها تعتبر همزة الوصل، وقناة المعلومات لدى القصر، والسبب الثاني: أن النظام هو من جاء بهذه الحكومة مسلطة على رقاب الشعب. تأمر وتنهى، تعطي وتحرم.. ، 
 
ولا زالت تلك الفجوة تتسع ثم تتسع وكما يقول المثل ( كل ما طالت لمت غمور ) وأقصد أن تجاهل معاناة الشعب بشكل أو بأخر تنبذر في صدره وفكره جملة من الصفات التي تمحو من نفسه حقيقة الولاء والانتماء(مثل: الامتعاض، والانفعال، والاهتياج، والغيظ، والحزن، والسخط، والغضب، والحنق، والنقمة ) وأشدها الحنق والنقمة، 
 
ولعله يحضرني في هذا المقام قول للكاتب عمر التلمساني في كتابه شهيد المحراب: "ليس الوطن أرضا وسماء فحسب, ولأنه قيما غالية, هي تراث الآباء والأجداد ومهد الذكريات الحبيبة والأمجاد, وعلى هذه الأرض الحبيبة العزيزة أفراد يكونون شعب هذه الأرض, ويحبها ويفتديها بروحه وماله وولده وأهله, فإذا توافرت لكل فرد على هذه الأرض حقوقه, وصِينت حريته, وحفظت مصالحه دون أن تطغى فئة تغتال حقوقها مستأثرة بخيرات الوطن, إذا حدث هذا لأحس المغبون بمرارة خافية تهون من حبهم لوطنهم الذي تهدر فيه كرامتهم وتضيع على أرضه حقوقهم" 
 
والأفعال رقيبة الأقوال إما أن تصدقها وإما أن تكذّبها، والواقع يدمغ التنظير والتضليل، فلا صناديق دمشق ولا القاهرة، ولا إعلام تونس ولا متزلفي طرابلس، حالت دون ثورات الشعوب، وإخراج سادات القصور، والآمر والمأمور،
 
ولا شك أن لكل شعب سماته وسياسة حكم تناسبه دون غيره، فلا يهم تغيير الحاكم بقدر ما هو ثبات سياسة الحكم..، ولست بصدد التفاصيل.
 
ولعل في حالتنا نحتاج في هذه المرحلة إلى شخصية تحظى بشعبية كبيرة قريبة من قلوب الشعب، تُصغي له، وتثق به، وتُعينه على تخطي هذه المرحلة الحساسة، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، والأخيرة هي الأهم، تخفف من ذاك اليأس التي تشابكت خيوطه في أذهان الشعب، وينثر في أنفسهم آمال في غد أفضل، فتترطب به نفوس الشعب، ويرون من خلاله حرص القيادة على مصالحهم ومستقبلهم.
 
هذه المرحلة تريد شخصية استثنائية، فهنالك شخصيات في العالم مدخرون لمثل هذه الظروف، في كل دول العالم، وتكون لهم صلاحيات استثنائية، فيقود وطنه ومواطنيه إلى بر الأمان، أما في حين يتأخر مقدم هذه الشخصية فتفوت فرصة النجاة على السيد والمسود، والصغير والكبير، ذكراً وأنثى،
 
عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا "رواه البخاري.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد