اختراق أردني لحوائط الصد الأميركية

mainThumb

05-02-2017 11:04 AM

ليست زيارة روتينية ، تلك التي قام بها رأس الدولة الأردنية الملك عبد الله الثاني بن الحسين إلى واشنطن ، العاصمة الأميركية ، وهي ليست كأي زيارة عادية سابقة، نظراً للمعطى الجديد في البيت الابيض، ونظراً ايضاً لتوقيتها بالغ الاهمية، بل هي اقرب ما تكون الى عملية سياسية استباقية بادر اليها القائد الفعلي للدبلوماسية الاردنية، ان لم نقل انها اشتباك ايجابي ناعم مع مركز صنع القرار الدولي، ومع مؤسسات صنع القرار الأميركي.
 
 وبهذا المعنى تكون هذه الزيارة ، بأبعادها السياسية ونتائجها الفورية، وآثارها بعيدة المدى ، وكأنها فتحت أتوستراداً واسعاً باتجاهين ، من المنطقة إلى واشنطن ، ومن واشنطن نحو عمان والرياض وبغداد، مروراً بدمشق، ناهيك عن محطتها الرئيسية تل أبيب، بما لهذه المحطة وما عليها من نفوذ يهودي إسرائيلي صهيوني لا جدال فيه.
 
  نعم، وبكل هذه المضامين والرسائل والرؤى التي حملها الملك على كاهليه، ووضعها مباشرة على مائدة رئيس رؤساء العالم، تكتسب هذه الزيارة قيمة اضافية، حيث تمثلت اولى ثمراتها في تعديل الموقف الاميركي من مسألة الاستيطان اليهودي، ولو بصورة جزئية، احسب انها كانت مفاجئة لجميع الاطراف المعنية، بما في ذلك الطرف الاسرائيلي ، الذي كان يبني آمالاً ذات سقوف عالية على اندفاعة الرئيس الاميركي الجديد وتبنيه للمفاهيم اليمينية المتطرفة.
 
 فقد وصل الملك عبد الله الثاني الى واشنطن في اللحظة السياسية المناسبة، وهو الزعيم العربي الموثوق به في الولايات المتحدة، مقدماً خبراته المتراكمة، حاملاً ثلاث رسائل مكملة لبعضها وفق أهميتها وأولوياتها : 
 
أولاً : رسالة فلسطين والفلسطينيين . 
 
ثانياً : رسالة العرب والمسلمين . 
 
ثالثاً : رسالة الأردن والأردنيين ، بل قُل حمل رسالة الأردنيين ولهفتهم وقلقهم وتطلعاتهم وثقتهم بأنفسهم وبحامل الرسالة .
 
ورسالة الأردنيين إلى واشنطن بعناوينها الثلاثة وملفاتها  الثلاثة ، بشأن فلسطين والقدس ، وبشأن العرب والمسلمين ، وأخيراً بشأن أمن الأردنيين ومصالحهم كوطن ودولة ، تجيب على سؤال كل أردني شغوف، من مثل؛ لماذا كل هذا التفاني الأردني ؟؟ ولماذا إعطاء الأولوية لفلسطين والقدس ، وللعرب والمسلمين ، قبل الأردن وأولوياته، فنرد عليهم سريعاً وبلا تردد ، وبدون أن نتهم السائل بالوقوع بضيق الأفق، أو بالحرص الأناني الزائد ، أو القراءة المتسرعة، لنقول له : 
 
أمن الأردن وإستقراره مرتبط جوهرياً ومصلحياً ووطنياً بالأمن الفلسطيني ، وما يسببه من متاعب نتيجة الاحتلال والتوسع والاستيطان ، فاستقرار الأردن مرتبط ببقاء القضية الفلسطينية هناك على أرضها وفي حضن شعبها ، وان تستمر في حالة تصادم على الأرض بين شعبها وبين محتليه ، بين المشروعين النقيضين : المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي ، لا أن نقبل رمي القضية الفلسطينية وتبعاتها ومتاعبها علينا خارج فلسطين ، كما كان الحال بعد عام 1948 ، وبعد عام 1967.
 
قبل أن نرد عليهم نعيد الى الذاكرة حقيقة ان الرئيس الراحل ياسر عرفات ، كان قد اعاد تصحيح مؤشر البوصلة الفلسطينية، باستراتيجيته الوطنية الصائبة ، حينما نقل العنوان الفلسطيني من المنفى إلى الوطن ، وعاد وسكن مسامات شعبه  ، ومعه وحوله في غزة وأريحا أولاً ، ومن ثم انتقل إلى رام الله ، رافضاً أن يخرج منها إلا شهيداً ، شهيداً ، شهيداً ، وكان له ما اراد ، تاركاً ثقل شعبه وتضحياته وبسالته ، لدى اخوته ورفاقه على أرضه ، بعد أن تم دفنه على مقربة من القدس، ، وسكن ضمير شعبه ومساماته ، وبالمقابل فقد حافظنا كأردنيين على العهد ، وأدركنا أهمية ما فعله ياسر عرفات ، بأن تبقى فلسطين هناك على أرضها ولدى شعبها ، حماية لأمن الأردن ، واسترداداً لفلسطين من مغتصبيها . 
 
ومع ذلك يبقى السؤال الأردني مشروعاً ومشرعاً : ولماذا العرب والمسلمون ، ودمشق وبغداد واليمن وليبيا ، فنقول لهم ونرد عليهم ، وفق قراءة الرسالة الملكية ، وخبرات الهاشميين ورؤيتهم التي حملها جلالة الملك إلى واشنطن ، قائلين : 
 
لأن عمان وأمنها مرتبط مع أمن سوريا واستقرارها ، وأمن بغداد والحفاظ على تعدديتها ، فالاقتصاد الأردني والمديونية المتفاقمة على الأردنيين ليس سببها غياب حسن الأدارة الأردنية لأموالهم ، وعدم التصرف الراشد لمواردهم المحدودة أصلاً ، بل جاء ذلك بسبب انهيار الأمن المصري في سيناء ، وتدفق اللاجئين السوريين الفقراء إلى قرى الأردنيين وحواريه ، وبسبب إغلاق السوق العراقي أمام بضائعهم ، وبسبب تدني مداخيل الخليجيين من تدني أسعار النفط ، فتوقف الدعم أو نقص ، وفقد الأردنيون وظائفهم في أسواق العمل الخليجية ، وتورط الخليجيون في حروب استنزفت مواردهم وأمنهم ونحن دفعنا الثمن معهم ، لا نحن  مع تحالفات النظام السوري ، ولا مع إسقاط النظام في دمشق ، لسنا مع خطط بعض الأشقاء ولسنا مع برامج الإيرانيين بالتوسع الأقليمي ، فبتنا مثل بالع الخنجر ، لا قادرين على بلعه ، وغير قادرين على رفعه ، وهكذا نتحمل ثمن سياسات لا صلة لنا بها ، ولا رهان لنا عليها ، ومع ذلك أمن بلدنا مرتبط بكل هذه الحوامة ، الدويخة ، الملهاة ، ولسنا محايدين في هذا المضمار بل نحن حتى نخاع العظم مع أمتنا وخياراتها وليس لنا خيار أخر !! .
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد