الوزارة الأب عجوز مريض - د.محمود العمر العمور

mainThumb

06-02-2017 01:32 PM

لو مثّلنا الوزارات بالأسرة؛ فالوزارة الأب هي وزارة الصحة تحنو وتمسح الألم عن الشعب، والوزارة الأم هي التربية والتعليم، تربي، تعلم، وتنشئ الأجيال، وباقي الوزارات تتوزع بين عم وخال وأخ وفروعهما.
 
والوزارة الأب عجوز مريض، يمكن للشاب أن يمرض أو أن يضعف لسبب ما، فإذا ما عولج وغذّي ومُرّن، عاد إلى شبابه وصحته وحيويته، ولكن هيهات أن تعيد الشباب لعجوز مريض.
 
       نعم... فضمن السياسات العقيمة للحكومات المتعاقبة بشكل عام، وضمن سياسات التخبط والتردي لوزارة الصحة على مدى العقود السابقة بشكل خاص، هرمت هذه الوزارة لتصبح عجوزا غير قادرة على العطاء المطلوب، بل ومرضت لتصبح على شفا الموت، فهل تجد من يكفنها ويدفنها، أم أنها ستتحول إلى جثة تتعفن فيخرج منها ريح نتنة. أتمنى أن لا يحدث ذلك، فهي بمثابة الأب الحاني على الشعب.
 
كنت يوما ابن هذه الوزارة، ولا أهضم حق العاملين فيها، والذين يقدمون الخدمة لجمهور عريض من أبناء الشعب، بأقل الإمكانيات المتاحة لديهم، أطباء وتمريض وفنيين، الذين هم على تماس مباشر مع أبناء الشعب، ومع فئة منه هي بحاجة إلى الرعاية والخدمة المثلى ألا وهم المرضى.
 
ولكن... نهجت الوزارة نهجا أدى بها أن تهرم بسرعة كبيرة، ألا وهي تقديم الخدمة دون العمل على تطوير الإنسان العامل فيها، فلا برامج علمية ولا منهج عملي ناجح لبرامج الإقامة والاختصاص فيها، ولا بعثات ودورات علمية داخلية وخارجية عادلة، وبقي التدريب والتعليم الطبي المستمر فيها شعارات أكثر منها برامج علمية وعملية، وما برنامج الحوسبة حكيم، ولا برامج الاعتمادية سوى مكياج لمحاولة اخفاء تجاعيد وجه العجوز.
 
ومع هرمها أخذ المرض يدب في أوصالها، لأسباب عديدة، منها عدم وجود سياسة استراتيجية واضحة، فكل وزير يأتي بسياسته الخاصة، بين محاولات خجلة للتطوير، أو اللامبالاة، أو حتى الازدراء. ثم إدارات بيروقراطية في مختلف المواقع جاءت بها الواسطة والمحسوبية، لا الكفاءة والأمانة، لا ما رحم ربي.
 
ثم عدم توفير البيئة الآمنة ماديا ومعنويا للعاملين فيها، مما أدى إلى هجرتها إلى القطاعات الأخرى داخل وخارج الوطن، فهم بمثابة الروح من الجسد منها، وكأنها في نزعها الأخير تنظر إلى الروح وهي تنتزع منها، غير آبهة بدق عنقها بين مطرقة بيروقراطية المسؤول، وبين سندان عدم رضى متلقي الخدمة فيها.
 
وناقوس الخطر قد دق أكثر من مرة، فلم يُسمع لدندنته، وصفارات الإنذار ضربت على الآذان في الكهف سنين عددا! فهل من سيبعث الروح فيها من جديد؟ ويشفيها من أمراضها؟ أم أنها... لا قدر الله أن يصبح الشعب يتيم الأب. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد