إيران في وجه العاصفة- د. يعقوب أحمد الشراح |

mainThumb

21-02-2017 07:27 PM

على الرغم من أن الخلافات الأميركية ـ الإيرانية ظلت وما زالت متوترة لا تستقر على حال، ولا تخدم مصلحة البلدين والمنطقة، فإن المؤشرات الحالية لهذه العلاقة تعكس تأزيماً متصاعداً قد يؤدي إلى المواجهة التي لا يتمناها أحد بسبب ما لها من تداعيات غاية في السوء ليس على إيران فقط، وإنما على دول المنطقة بأسرها. فالتهديدات الأميركية الأخيرة الموجهة لإيران من أنها دولة إرهابية، وأن الاتفاق النووي سيئ وغيرها من الاتهامات، استفزت إيران وجعلتها ترد إعلامياً بأن التهديد الأميركي لا يعني شيئاً لها، ولن يغير من سياساتها، خاصة بعد أن وضعت إيران على قائمة الدول السبع الممنوع على رعاياها دخول أميركا.

 

إن نهج الاختلاف أو التبدل في السياسة الدولية ليس بظاهرة غريبة في عالم اليوم، ولا يتناقض مع ما يجب أن تكون عليه الأوضاع ما دامت المصالح متغيرة، فمن السهل أن يتحول الحلفاء إلى أعداء، والعكس أيضاً صحيح، والحكمة تقتضي فهم المعادلة السياسية، والتصرف على أساسها بما يخدم مصالح الدولة، ويجنبها التدخلات والتصادم، خصوصاً عندما تشتد الأزمات، ولا تكون الظروف الدولية مناسبة لخلق أجواء التهدئة والتفاهم.

 

نقول ذلك انطلاقاً من أن إيران ليست بقوة أميركا، وإمكاناتها لا تتساوى مع القوى الأخرى، وبالتالي فهي لا تستطيع المواجهة مع القوى الكبرى إذا ما حدث تدخل، لا سمح الله، يؤدي إلى مواجهات ونزاعات. فالمناكفة والتحدي بين دول غير متكافئة من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية ليس لهما مبررات عقلانية سوى تلك الدوافع العاطفية أو الشعارات التي لا معنى لها في عالم القوى المتصارعة، عندما يكون البقاء والنفوذ للأصلح والأقوى.

 

الكثير من حلفاء أميركا، ولا نقول المعارضين لها، يحاولون انتظار ما يسفر عن السياسة الأميركية القادمة، فالحلفاء رغم المعارضة الأميركية لسياساتهم آثروا الانتظار والتريث وعدم المواجهة في هذه المرحلة من أجل استجلاء المزيد من المواقف الأميركية الغامضة والمؤثرة في مستقبل العلاقات الدولية. أما الدول غير الصديقة لأميركا مثل إيران، فإن التهديدات الأميركية جعلتها لا تفكر في انتظار القادم، فلقد ردت بإجراء تجربة صاروخ «كروز» منذ فترة قريبة وقدمت لأميركا وغيرها مادة دسمة لبحث الأمر في مجلس الأمن الدولي انطلاقاً من أن التجربة مخالفة للاتفاق النووي، وأن الصاروخ قادر على حمل رؤوس نووية.

 

إن أي فعل بطبيعة الحال، له رد فعل سياسي، ليس كما يقول نيوتن في قانون الجاذبية، مساوٍ له في القيمة ومعاكس له في الاتجاه عندما يتعلق الأمر بالسياسة. فليس هناك لدى إيران ما يبرر رد الفعل السريع في الظروف الحالية، فمن الأفضل العمل على الابتعاد ما أمكن من ردود الأفعال الآنية التي قد تؤدي إلى عواقب لا تصب في المصالح الذاتية، خاصة وأن المنطقة تعاني الحروب في العراق وسورية، وليست بحاجة إلى المزيد من المواجهات المدمرة.

 

الكثير من المؤشرات الحالية تعكس الرغبة الأميركية في التصادم مع إيران، منها قول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن إيران تلعب بالنار، والرد الإيراني بأن الصواريخ الإيرانية ستسقط على رؤوس الأميركيين وغيرها من علامات تدل على احتمالات المواجهة القادمة بين طهران وواشنطن، وأن المردود لن يكون في صالح المنطقة، وأن الأوضاع تستدعي التهدئة وتفكيك شحنات التوتر.

 

لا شك أن إيران تهمنا كدولة جارة يربطنا بها الدين والتاريخ والتراث والجغرافيا، وبالتالي لا نريد لها الأذى والضرر الذي لو حدث سينعكس على دول الإقليم جميعاً، خصوصاً وأن المتغيرات الجديدة في الداخل الأميركي تدل على أن إيران في وجه العاصفة القادمة، ما يلزم على طهران التهدئة وأخذ الحذر بالتنسيق والتعاون مع دول المنطقة انطلاقاً من الحاجة إلى الابتعاد عن بؤر التأزيم والمواجهات المدمرة.

 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد