عرار .. والأردن‎

mainThumb

24-02-2017 05:03 PM

تدليت بحبل خيالي الى الأربعينات من القرن العشرين، وما أن نزلت في بطحاء واسعة، حتى رأيت رجلا أسمر نحيلا يلبس بدلة سوداء تحتها قميص أبيض، ويعتمر كوفية بيضاء فوقها عقال، وكان يعتلي صخرة، ويصرخ بالناس، وهم يديرون ظهورهم له، ويتولون دون التفات... فتعجبت من شدة ندائه وصدقه وحرقته! بادرته قائلا: ما لك وهؤلاء؟ التفت إليّ  وأخذ نفسا عميقا ثم أنشد:

 
 
أو لم تر العرفاء كيف تهودوا/أو لم تر المتعلمين تنصروا
 
والبائعين بلادهم بقلامة/قد أقدموا والمخلصين تقهقروا
 
فالحرّ فينا للعلوج مطية/والعفّ منا لليهود يسمسرُ
 
بعنا العروبة بالوظيفة وانبرى/ليبيع "غور أبي عبيدة" أزعر
 
لا تعجبنّ لفعلنا فنفوسنا/رغم الظواهر بالدناءة تزخرُ..
 
 
 
-         فعرفته، وقلت: حياك الله أبا وصفي، وماذا تريد من هؤلاء المهطعين؟!!
 
-         فقال وعليه شيء من عصبية:
 
 ازعق عساه إذا زعقت يُجيبُ/فالأمر جّدٌ، والخطوب تنوبُ
 
ازعق، وصِح بالمغمضين على القذى/إنّ الأذى يا عالمين قريبُ
 
لا يُطمع النائين عن مسّ الأذى/أطما بنوه، وتلعةٌ وشعيبُ.
 
 
 
-         وهل تُسمع من وضع أصابعه في أذنيه واستغشى ثيابه وتولته الشياطين؟!
 
-         قال:
 
هب الهواء وشجاك أن نسيمه/في ضفة الأردن ريح سموم
 
وأنا وأنت أذلُّ من وتدٍ ومن/عَيرٍ باسطبل الهوان مقيم
 
والشعب أضيع عندهم من سائلٍ/قذرٍ يمدُّ ذراعه للئيم
 
والمرهقوه على حساب شقائه/بمناعة من بؤسه ونعيم.
 
 
 
-         وكيف تستمر بالنداء والتذكير ولا أحد يستمع لك،وهم يرون الفاسدين قد اوغلوا بدمائهم؟!!
 
 
 
-         فجلس الى صخرة بجانبه وقال:
 
ليلاي! إنّ الخلابيس العتاة عتَوا/على فراشي واستصلوا بنيراني
 
فربّتي ، بأبي أنت ، على كتفي/إني على نفسه إنّي أنا الجاني
 
-         ولِمَ تقوم بهذه الثورة وحيدا، أين الأعيان وقادة الشعب؟!!
 
-         فانشد:
 
لما رأيت الكذب سر تفوق الفئة السرية
 
ورأيت كيف الصدق يذهب من يقول به ضحية
 
ونظرت أحلاس الوظائف سادة بين البرية
 
أيقنت أن الألمعية في ازدراء الألمعية
 
وحللت عقلي من عقال الهاجسين بحسن نية
 
وسبرتُ أغوار السَّراة وقستهم بالسرسرية
 
-         وهل أخبرت الحكومة والمسؤولين بذلك؟!
 
-         فقال: لقد أخبرتهم جميعا وقلت له بلسان غير ذي عوج:
 
 
 
رفعتَ كلّ وضيعٍ لا يُقام له/إلاّ بسوق الخنا وزنٌ بميزان
 
وقلتَ: أولاء قومي ينهضون بكم/وحسبكم أنهم من خيرِ أعواني
 
هلاّ رعيتَ ، رعاك الله حُرمتنا/هلا جَزيت تفانينا بإحسان ؟!
 
مولاي شعبك مكلومُ الحشا وبه/من غضّ طَرفِك والإهمال داءان
 
-         اذن لماذا لم تستنهض الشعب مباشرة، دون اللجوء لأصحاب المصالح؟!
 
-         فقال: أنت ترى توليهم!! يا أخي:
 
الناس أحلاسُ من دامت سعادته/وكلّهم خصمُ من يُمنى بخسران
 
غُبر الوجوه إذا لم يُظلموا ظَلموا/فلا تثق منهم يوما بإنسان
 
-         وكيف يتجاهلون نداءك وهو في مصلحتهم؟!!
 
-         فضحك حتى فحص الأرض برجليه ثم قال:
 
 
 
هبّ الهوا وانا وانت يهمُنا/قبضَ المعاش بيومه المعلومِ
 
وحكومةُ السفهاء لم نَعرف لها/وجها بهذا الموطن المشؤوم
 
باعوا البلاد وحضرتي وجنابكم/لكن بلا ثمن الى " حاييم "
 
 
 
-         وما الذي أوصلهم الى هذه الحالة السلبية، حتى أنهم يتجاهلون مصلحتهم؟!
 
-         فتنهد وقال:
 
سيمت بلادي ضروب الخسف وانتُهكت/حظائري واستباح الذئبُ قطعاني
 
وراض قومي على الإذعان رائضُهم/على احتمال الأذى من كل إنسان
 
فاستمرأوا الضيم، واستخذى سَراتهمُ/فهاكهم، يا أخي عُبدان عُبدان
 
 
 
-         وهل تظن أنه سيأتي يوم يعرفون دربهم، ويدافعون عن موطنهم؟!:
 
-         فنظر بعيدا وأنشد:
 
 
 
والحقُّ، لا بدّ من إشراق طلعته/مهما استطالت على أهليه ظلماءُ
 
وقوة الضعف إن جاشت مراجلها/تنمرت نعجةٌ، واستأسدت شاءُ
 
-         وماذا أنت فاعل الى أن يأتي ذلك اليوم المفترض؟!
 
 
 
-         فنظر اليّ بحرقة وانحدرت من عينه دمعة، لم يمسحها وقال:
 
 
 
   موطني الأردنّ لكنّي به/ " كلّما داويت جرحا سال جرحُ
 
وبنفسي رحلة عن أرضه/  علّه يُشفي من الإرهاق نزحُ
 
كلّ ما أرجوه لو أنّ منى/    عاثر الجدِّ إذا يرجو تصحُّ
 
  أن أرى لي بيت شعر حوله/ من شلايا قومك السرحان سرحُ
 
في فلاة ليس للعلج بها/ حيّة تسعى ، وثعبان يفحُّ
 
-         ثم تولى وعيناه تفيض من الدمع وسمعته يقول:
 
 
 
يا يوم عمّانَ جدد يوم شيحانِ
                          لا الدارُ داري ولا الخلانُ خلاني
ولا المناكيدُ زاروني لأخبرهم
                          أني أنتهيتُ، و أن الموت وافاني
لا بارك الله في قومٍ عرفتُهمُ، بعد
                            التجارب، أعداء لأوطاني
و أنهم خسةٌ، أعداء مكرمة
                            ما أكرم الموت، أبقاهم وناداني
 
فانتبهت من شطحتي البعيدة وترحمت على أبي وصفي، ورثيت للأردن التي جاهد من أجل أن يراه بلدا عزيزا قويا خاليا من الفاسدين والخونة..


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد