احقاق العدالة بين المتهمين دون تمييز - أمجد هزاع المجالي

mainThumb

24-02-2017 10:15 PM

اليوم وبعد ان كانت قد اطمأنت القلوب الى الاستقرار السياسي نجد انفسنا امام الكثير من التحديات الداخلية والخارجية تتمثل في الحصار الذي يعيشه الأردن جبراً مع محيطه، وغياب النظام الرسمي العربي، والغزو الثقافي الغربي الذي يستهدف لساننا العربي، ومشاريع تفكيكية تفتيتيه تستهدف بلاد العرب في اطار سايكس بيكو جديد، وصراعات طائفية ومذهبية وعرقية وحروب أهلية، وارهاب وتطرف، تجعل الوطن في ازمة عميقة ودقيقة، ومن يقول عكس ذلك فانه لا يرى الامور ببصر وبصيرة.
وأخطر ما في هذه الاحداث والتحديات هي الهجمة الاسرائيلية الشرسة على الامة وعلينا التي اخذت أشكال مختلفة، تمثلت تارة في مسلسل جديد تتنكر فيه اسرائيل للسلام والحقوق العربية الفلسطينية بعد أن هانت الأمة، كما تتمثل في الدعوات والمبادرات الخطيرة وفي مقدمتها الاعتراف بيهودية الدولة الاسرائيلية التي ستفضي الى اسقاط الجنسية الاسرائيلة عن عرب ال 48 تمهيداً لتهجيرهم الى الجوار العربي، واقرار قانون التسوية الاسرائيلي، ودعوات لاقامة بينلوكس اردني فلسطيني اسرائيلي تكون فيه الهيمنة لاسرائيل، ودعوات اخرى لاقامة كونفدرلية بين الدولة الاردنية والشعب الفلسطيني بدون ارضه، وادخال عرب 48 في هذه المعادلة، وهذا يعني تصفية القضية الفلسطينية، ليتبعها قرار نتنياهو الأخير برفض مبدأ الدولتين وسعي اسرائيل الدائم الى شطب ما تبقى من حقوق عربية واسلامية في بيت المقدس، ولا أعتقد أن الرعاية الهاشمية للأقصى التي تنتهك حرماته يومياً ستسلم من ذلك.
وفي الداخل أخذ الحال ينتقل من سيء الى أسوأ، لنصل الى مرحلة لا تمكننا من التكهن بما يحدث بين ظهرانينا، ومصير ما يجري من حولنا من تحديات تعصف بالاقليم ملقية بظلالها المدمرة، ونتائجها السلبية علينا، وتحديات فرضتها علينا سياسات وظروف داخلية لا تقل خطورة عن الخارجية، تتمثل في التراجع في مجال الحريات العامة وأقرب الأمثلة على ذلك حملة الاعتقالات التي شملت رجالات وطن لا لشيء جرمهم الوحيد أنهم رفعوا شعار الجود بالروح من أجل الوطن، ليتزامن معها أيضاً محاولات لتكريس مفهوم الدولة الأمنية، والعمل على تغذية النعرات الجهوية والجغرافية، والتوسع في المحسوبية، وتعديلات قانونية ودستورية كان من اخطر تداعياتها اسقاط النظام البرلماني، واسقاط ولاية الحكومة في الشأنين الداخلي والخارجي ليتحول دورها لمجرد تصريف أعمال، إضافة الى اصدار قوانين قاصرة تمثلت بقانون انتخاب كان من اخطر افرازاته أن حافظ على انتاج البنية الضعيفة للبرلمان، حال دون تصدير كتل برلمانية متماسكة بسبب عزوف الاحزاب والتنظيمات الاخرى عن المشاركة الحقيقية في الانتخابات لتقديرها ان هذا القانون لا يشكل الفرصة التي يمكن من خلالها التأسيس لحكومات برلمانية بقدر ما عزز من قدرة السلطة التنفيذية عن التغول على مجلس النواب، ليتبعه تشريع قانون اللامركزية الذي اعتبره قانوناً مركزياً بامتياز تم في اطاره تعزيز دور الحاكم الاداري على حساب مجلس المحافظة المنتخب من القواعد، وحيث أنه لم يشكل اي اضافة نوعية لاداء الدولة بل شكل عبئاً مالياً زاد من أعباء الخزينة أعباء شأنه شأن الهيئات المستقلة الأخرى التي انبثقت عن مؤسساتها الأم لا لشيء ولكن لغايات توزيعها كغنائم واقطاعيات على القلة المدلّـلَه من أصحاب الحظوة من  محاسيب قوى الشد العكسي وفريق الليبراليين الجدد الديجيتال والذين لا يمتكلون من المؤهلات سوى ارتباطاتهم بهذه المراكز التي تسعى بكل جهد وجد لتقويض بنياننا الوطني والعمل على تحويله الى منطقة حرة تذوب في اطارها كل الهويات المتواجدة على ترابنا الوطني بما فيها هويتنا الوطنية، وبذلك نكون أيضاً قد أضفنا اعباء جديدة على الخزينة مع التذكير أن موازنة الهيئات المستقلة أو هذه الاقطاعيات قد تجاوزت الملياري دينار سنوياً.
وحتى تكتمل حلقات المؤامرة المبرمج لها لاضعاف الاردن فقد عاثت هذه الفرق بالوطن فساداً شمل كل أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية بمأسستهم للفساد ليتحول من حالة مرضية الى آفة اجتماعية مستحكمة بالجميع، وصار الكثيرون يتندرون بالقصص التي تروى، والقضايا التي تعلو ثم تتلاشى في الفساد، كما أصبح الاردنيون يتساءلون عن معنى ثراء جزء من الطبقة السياسية، وكيف يمكن على مدى ستة عقود من الزمن والحكومات التي تتوعد بالقضاء على الفساد أن لا يقدم فاسد واحد الى المحكمة ويحاكم ويثبت عليه قضية واحدة. وها نحن لا نتكلم عن عناصر الصف الثاني، والثالث من الفساد، فأولئك مقدور عليهم وقد اتخذتهم بعض الحكومات أكباش فداء للتغطية على حيتان الفساد الكبير.
وعلى هامش الفساد لفت نظري تصريحات دولة الرئيس الموقر التي أعلن فيها أنه سيكافح الفساد ولوبياته، ولدولته أقول وبكل صدق وصراحه، إن أي جدية في هذا القول يترتب عليه أولا اصدار مذكرات جلب المحكومين في ملفات الفساد والحجز على اموالهم، وإحقاق العدالة والمساواة بين المتهمين دون تمييز بين رئيس أو وزير أو مواطن عادي، هذا ما أكدته الورقة النقاشية السادسة للملك عبدالله التي جاءت تحت عنوان تطبيق سيادة القانون، وبدون ذلك تعتبر التصريحات غير جدية وبمثابة حبر على ورق.
لم تكتفي مراكز القوى بهذا القدر من الاساءات حيث طالت سياساتهم المدمرة الجانب الاقتصادي، واعتمدوا سياسات لا تراعي الاعتبارات الاجتماعية اركانها الأساسية الجباية، والتوسع في الانفاق العام، والاستثمار بغرض الاستثمار، كان من أهم نتائجها جوع، عوز، فقر، بطالة، توسع في الفوارق الاجتماعية، عجز، ومديونية لا سقف لها، عوامل ساهمت في تراجع هيبة الدولة وحالة الاحتقان العام المتمثلة بحالة الانفلات، والانتحارات ، والاعتداءات ، والعنف المجتمعي، والعنف في الجامعات التي لا تنسجم مع كون المجتمع الاردني اسرة واحدة ناهيك من المخاوف بأن تتحول تربتنا الى تربة جاذبة للتطرف والارهاب، وما احداث اربد والبقعة والركبان والكرك الى مؤشرات خطيرة تستدعي منا جميعاً الانتباه والحذر ومن الاجهزة الامنية الاعداد والاستعداد الجيد والتفرغ الكلي لمواجهة قوى الضلال حتى يبقى الاردن كما عهدناه واحة امن واسقرار.
وحتى لا تختلط الامور ويساء التفسير فإن الاحتجاجات الاخيرة في شوارعنا جاءت ليس فقط للتعبير عن رفض الشارع الوطني لسياسات الجباية المتمثلة برفع الاسعار التي يجب الغائها ولكنها جاءت أيضا تعبيراً عن فشل الحكومات وفرقها الاقتصادية، وتعبيراً عن مطالب شرعية، وعن خشية حقيقية على الوطن والنظام، وما محاولات فرق الامر الواقع والليبراليين الجدد لتسمين الافكار، واتهام من يعبرون عن رأيهم في أحوال بلدهم، ويمارسون حقهم الدستوري في الشراكة، والدفاع عنه وبناء مستقبله بالمعارضين الا محاولة لئيمة للايقاع بين الشعب والقائد الذي نقدره ونحترمه، مع التذكير أن العقد الاجتماعي الذي كتب ومهر ووقع بالدم بين الاردنيين والهاشميين والذي لا يمكن اختراقه او التسلل إليه من أي كان، فهو عقد مقدس مختوم بالمسك، ومعطر بالدم، ومضمخ بروائح القيصوم والعوسج والزعتر، ولقبائل الفساد المهاجرة وأعوانهم من المرتزقة الفاسدين الذين يريدون ان يعرقلوا المسيرة نقول لهم انها لن تنجح لأن الاردنيين تخطوا كل عناصر القوة والمنعه والبقاء.
لقد عودتنا التجارب أن نكون قادرين على أن نخرج من أخطر الازمات أكثر قوة، وهذه الأزمة لن تكون استثناء عن مسيرتنا، وان علاجها ممكن اذا ما اعترفنا أن أي حكومة مرتبكة لا يمكن أن تكون حكومة مرحلة، وأن المرحلة الحالية بحاجة الى حكومة قوية تتمتع بالاهلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقادرة على البدء بعملية اصلاح حقيقية وشاملة يتم بموجبها اتخاذ أصعب القرارات بما فيها وقف التطبيع مع اسرائيل، ووقف اتفاقية الغاز معها، واستئصال فريق الفشل وسياسياته الاقتصادية، واجتثاث الفاسدين ولوبياتهم، والتمسك بدستور 1952، والعمل على تبني مبدأ سيادة القانون، ودولة المجتمع المدني المعرفة، وتكريس النظام الديمقراطي الذي يستند الى برلمان محصن وحر، وتبني سياسات اقتصادية تنموية تخرجنا من مسار السياسات التي عصفت باقتصادنا وأوصلتنا الى أسوء حال.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد