الكرامة صفحة مضيئة في تاريخ الأردن - د. محمد العناقرة

mainThumb

21-03-2017 12:10 PM

مشهـور حديثـة الجـازي
 
يحتفل الوطن كل عام بمناسبة خالدة وهي مناسبة معركة الكرامة التي سطر خلالها نشامى الجيش العربي أروع البطولات وأجمل الانتصارات على ثرى الأردن الطهور وفي ذكراها يحلو الفرح وتسمو معاني النصر، حيث تحوم أرواح الشهداء في فضاءات الأردن، فوق سهوله وهضابه وغوره وجباله، وتسلم على المرابطين فوق ثراه الطهور ويتفتح دحنون غور الكرامة على نبع دمائهم الزكية، وتجري في العروق رعشة الفرح بالنصر ونشوة الافتخار بهذا الجيش العربي الهاشمي لتطمئن القلوب بذكر الله وهي تقرأ قول الحق على روح قائد الكرامة الحسين ... رحمه الله.
 
ويشكل يوم الكرامة التي وقعت في الحادي والعشرين من آذار عام 1968 أول نصر مبين يحققه جيشنا المصطفوي للعرب عبر الصراع العربي – الإسرائيلي الطويل ليثبت أن النصر العسكري العربي على إسرائيل ليس مستحيلاً وإنما مؤكد.
 
تصدت قوات الجيش الأردني للعدو، ومنذ الدقائق الأولى أخذت تطلق النار على قواته، وأوقعت بهم خسائر فادحة وقدم الجيش العربي الأردني بطولات رائعة في الدفاع عن حمى الأردن الغالي، مما اضطر إسرائيل لأول مرة في تاريخها العسكري أن تطلب وقف إطلاق النار، إلا أن الملك الحسين رحمة الله رفض ذلك ما دام هناك جندي إسرائيلي واحد شرقي النهر، وقد أجبرت القوات الإسرائيلية على الانسحاب تاركه وراءها 250 قتيلاً و450 جريحاً بالإضافة إلى عدد من الآليات والدبابات على أرض المعركة، وقد قدم الجيش العربي الأردني 61 شهيداً و108 جريحاً، وفي تلك المعركة تحطمت الأساطير الإسرائيلية حول عقدة التفوق العسكري الإسرائيلي.
 
لقد كان صمود الجيش العربي في معركة الكرامة بمثابة نقله نوعية في تنامي الروح المعنوية العالية، والقدرة القتالية النادرة التي يتمتع بها الجندي الأردني، وهذا الصمود والنصر كانا منعطفاً هاماً في حياة الأمة العربية حيث أبرزت للعالم أن في هذا الوطن جيشاً يأبى الضيم ويدحر العدوان ويذود عن حماه بالمهج والأرواح ويدافع عنه بكل ما أوتي من قوة.
 
 لقد كان صمود الجيش العربي الهاشمي في معركة الكرامة بمثابة نقله نوعية في تنامي الروح المعنوية العالية، والقدرة القتالية النادرة التي يتمتع بها الجندي الأردني، وهذا الصمود والنصر كانا منعطفاً هاماً في حياة الأمة العربية حيث أبرزت للعالم أن في هذا الوطن جيشاً يأبى الضيم ويدحر العدوان ويذود عن حماه بالمهج والأرواح ويدافع عنه بكل ما أوتي من قوة.
 
إن الحديث عن الكرامة، هو حديث عن مشهور حديثة الجازي، الذي أثبت من جديد أن الجندي العربي يمتلك كل مقومات النصر عندما يصبح قرار المعركة استراتيجياً حراً، وأصبح يوم الكرامة من أيام العز العربي الأردني.
 
ولد مشهور حديثة في بلدة الرشادية بمحافظة معان، عام 1928، تربى ونشأ حياة الصفاء البدوي، وكان عام مولده عام خير وبركة، وهو من أحفاد الشيخ نصار بن جازي بن حمد بن جازي بن صباح بن مطلق بن سلامة بن علوان بن قبال بن حويط الحويطات. التحق بقوة البادية الأردنية بتاريخ 28/6/1943م.
 
وتدرج مشهور حديثة بالرتب الصغيرة حتى وصل عام 1946 إلى رتبة وكيل ضابط والتحق بجناح الثقافة بمركز العبدلي، واشترك بدوره تأهيل مرشحين عام 1947م، وبعد تخرجه التحق بكتيبة المشاة الثانية، وفي عام 1956م تولى مشهور حديثة قيادة كتيبة المدرعات الملكية الثانية، وفي 10 كانون ثاني 1959 عين عضواً في محكمة أمن الدولة، وفي عام 1962 أصبح قائداً للواء المدرع ألـ 40، وبعيد نكسة حزيران 1967 كلف مشهور حديثة بقيادة الفرقة الأولى التي كان لها شرف مواجهة العدوان على الأردن عام 1968م.
 
وكتب له النصر في معركة الكرامة، وفي 11/6/1970 عين قائداً عاماً للقوات المسلحة الأردنية حتى 16/9/1970 ثم عين مستشاراً خاصاً لجلالة الملك حتى 1/12/1970.
 
وكان يحمل شهادة البكالوريوس في العلوم العسكرية، واشترك في عدة دورات دروع تقدمية في الولايات المتحدة الأمريكية.
 
اشترك مشهور حديثه في معارك 1948م ويذكر المؤرخ سليمان الموسى: "أنه في يوم 12 نيسان، ذهب الملازم حمدان صبيح البلوي إلى غزة ومعه ثلاث مدرعات لحراسة قافلة كان اليهود قد اعترضوها في الطريق، وعند وصول القافلة عصراً إلى موازاة دير الشعار بادرها اليهود بإطلاق النار، فردت المدرعات الثلاث على إطلاق النار بالمثل، ألقى جنود العدو عدداً من القنابل اليدوية على القافلة، فانفجرت إحداها بالقرب من السيارة الخفيفة التي كان يستقلها الملازم الثاني عيسى الزعمط، أصيب المرشح مشهور حديثة الجازي أحد ضباط المدرعات الثانية بكدمات في كتفه.
 
أما الحديث عن معركة الكرامة فقد جاء الهجوم الإسرائيلي مفاجئاً في الساعة الخامسة والنصف من صبيحة يوم 21 آذار 1968م على الأراضي الأردنية بقوة عسكرية كبيرة مدعومة بسلاح الجو والمدفعية، وذلك على ثلاث محاور رئيسة، بغية تحقيق أهداف استراتيجية، تتمثل في احتلال المرتفعات الغربية من الأردن (مرتفعات البلقاء) للوصول إلى عمان العاصمة، لكي يفرضوا على الأردن القبول بتسوية معهم. على عكس ما أعلنه الإسرائيليون أن هدفهم من الهجوم هو القضاء على قواعد الفدائيين في قرية الكرامة.
 
تصدت قوات الجيش الأردني للعدو، ومنذ الدقائق الأولى أخذت تطلق النار على قواته، وأوقعت بهم خسائر فادحة وقدم الجيش العربي الأردني بطولات رائعة في الدفاع عن حمى  الأردن الغالي، مما اضطر إسرائيل لأول مرة في تاريخها العسكري أن تطلب وقف إطلاق النار إلا أن الملك الحسين رحمه الله رفض ذلك ما دام هناك جندي إسرائيلي واحد شرقي النهر، وقد أجبرت القوات الإسرائيلية على الانسحاب. وقد وصف المرحوم مشهور حديثة الجازي أجواء المعركة ومعنويات جنوده والمقاومة قائلاً: أما عن الناحية المعنوية للمقاتلين، فقد جعلت عودة الروح القتالية للجنود وتشوقهم للانتقام من مغتصب أرضنا المقدسة، ثم تدافع الفدائيين لملاقاة عدوهم الشخصي، إن جاز لي التعبير، جعل الأمر يبدو في غاية الكمال.
 
ويقول المرحوم مشهور حديثة الجازي في تذكره لنتائج تلك المعركة؛ لم يكن هناك تكافؤ لا في العدد ولا في العدة، ولكن الإيمان والصمود وقرار الدفاع عن الوطن مهما تكن التضحيات، مكننا من تحقيق النصر المؤزر، وقدرنا خسائرهم بحوالي 1200 جندي بين قتيل وجريح، وحوالي 400 إلى 500 آلية و 7 طائرات، في حين كانت خسائر الجيش الأردني في حدود 120 جنديا بين شهيد وجريح. ويضيف المرحوم مشهور حديثة قائلاً: أسقطنا مقولة العدو، أن الضابط العربي دائما خلف جنوده..أصبح أمامهم بكل بسالة وشجاعة وقد فرضت على الضباط أن يتواجدوا قدر الإمكان في الإمام، وفي القيادات المتقدمة، حتى يرفعوا الروح المعنوية لجنودهم، وحتى يأخذوا القرار السليم، أيضا هذا الأمر لم يكن متوفراً في أساليبنا وتكتيكاتنا السابقة، إذ يكون القائد في الخلف حوالي 20 كيلومترا في بعض الأحيان، ويتصرف من خلال التقارير والأخبار، نحن خلقنا هذا التكتيك، لأن الأمر بالنسبة لنا حياة أو موت، وأسقطنا استراتيجيات الانسحابات الخلفية، لأن انسحاباتنا تجعلنا أشبه بالمهزومين.
 
ويضيف: "أن قناعة المقاتل في الإيمان بالله وبالشهادة ساعدت على الصمود وساعدت في تحقيق النتائج الإيجابية الباهرة وانطلقت صيحات (الله أكبر)، وكان عملاً روحانياً ممتازاً بحيث أعطى الثقة في النفس وفي القدرة على النصر... وتحقق النصر كما هو معلوم".
 
وفي رسالة وجهها المغفور له الملك الحسين بن طلال إلى مشهور حديثة الجازي يقول فيها: "لقد كنت لي دائماً وستبقى أخاً حميماً وعزيزاً، إن ما قمنا به خلال السنين ليس سوى استمرار للمسيرة التي بدأها آباؤنا وأجدادنا، كنا دائماً صديقين، وقريبين، وعضوين في مجتمع واحد في سيرنا نحو تحقيق أهداف أجيالنا الخالدة". 
 
ويقول فيه الراحل ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية: "عرفناه أخاً باراً بوطنه وشعبه وأمته، ورجلاً صلب العزيمة والإرادة، يتمتع بحس وطني وقومي رفيع، وتشهد له ميادين القتال بالرجولة والإباء والشمم، في الدفاع عن قضايا أمته العربية المجيدة، وفي الطليعة منها قضية فلسطين العادلة، حيث أبلى هو ورفاقه وجنده بلاء حسنا في معركة الكرامة".
 
وقال فيه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة: "كان مشهور حديثه فارساً بطلاً رفع قبل اليوم راية العروبة وشعلة النضال". 
 
رحم الله الفريق الركن مشهور حديثة الجازي، فقد كان بطلاً في زمن عزت فيه البطولات، وممن سجلوا بعزمهم ودمائهم الطهورة أول ملحمة صمود وبطولة، وأول انتصار عسكري على العدو الذي لا يقهر.   
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد