وجوه تشكلها المسؤولية‎

mainThumb

22-03-2017 07:06 PM

تعاملت مع أشخاص وقابلت أشخاصاً في أزمنة متباعدة، وما استرعى انتباهبي عندما أقابل صديقاً مضى على افتراقنا زمنا، أجد أن ملامحه تغيرت بشكل كلي، والتغير الذي رأيته ليس له علاقة بمرور السنين وتقلب الأحوال، ولكنه تغير في داخل النفس انعكس على الوجه.
 
وهذا التغيير تحديدا لم يكن في السابق عند أجدادنا، فهو حديث اتصل بقيام الدولة الحديثة بتنوع أجهزتها وما فرضته على المجتمعات من حياة جديدة، قوامها التسلط، سبكت أشخاصا بقالبها حتى أصبحوا صورة لها أو فرعا منها.
 
وعند تقليب وجوه الأشخاص الذين عرفتهم، وجدتها لا تنتمي لتلك الحقبة التي عرفتهم فيها، فقد تلاشت الصورة السابقة وحلت محلها صورة مغايرة تتبع ما يشغله هذا الشخص من وظيفة أو رتبة أو وزارة أو إمارة، فتفحصت هذه الوجوه وقرأتها وإذا بها تنتمي الى أنماط قدرتها بثلاثة: ( نمط من أنتم، ونمط وجه الميت، ونمط الملدوغ).
 
-         نمط من أنتم: هذا النمط ترى وجها متعاليا، ينظر الى الناس نظرة بانورامية، تتجاهل التفاصيل، فلا ينظر في عينك، ودائما تراه يتجاهل المجلس الذي يجلس فيه، ويسرح نظره بعيدا كنظرة الجمل، وإذا غصت في نفسه تجده يتجاهل الناس ويحتقرهم لما يحمل من اعجاب بالنفس وانطواء على الذات، ويعامل الناس كأنهم لا شيء، وهو بما يحمل من أفكار عن نفسه، وأهمية وظيفته التي يشغلها أو شغلها، يرى أن على الناس أن يمجدوه ويحتفوا به، ويهشون لمقدمه، وإن أحس غير ذلك، ينطلق من داخله صوت مجلجل يقول: من أنتم؟!!.
 
-         أما نمط وجه الميت، فأسميته كذلك لأن صاحب هذا النمط، لا ترى في وجهه أي ملامح للفرح أو للغضب، فلا تستطيع أن تقرأ في وجهه أي انفعال، وذلك لأنه يرى أن وظيفته العليا أو رتبته الكبيرة تحتم عليه أن لا يتواصل مع العامة، فالضحكة قد تفتح قنوات قد لا تغلق، أو يصعب غلقها، والغضب قد يفتح قنوات للحوار قد تكشف شخصيته التي تكون في الغالب فارغة مهزوزة وغبية. ولذلك تراه لا ينبسط وجهه حتى في بيته، ليحافظ على هذا النمط الذي يظن أنه يجعله يستمر في وظيفته العليا، بترفعه عن العامة.
 
-         والنمط الثالث وهو نمط الملدوغ، فتجد وجها قد انقبض وتشنجت عضلاته، وصغرت عيناه وانمطت شفتاه، كأنه تعرض للدغة حشرة سامة، اذا تكلم تراه يعاني هذه اللدغة، واذا ضحك تبقى هذه اللدغة في مخيلته، وكل ذلك لأنه رأى أن هذا النمط يجعل له هيبة وهيئة عند العامة، لأنه مهم، وبأهميته يختلف عن الآخرين، وغالبا ما يكون هذا النمط متقمصا من شخصية أخرى ورثها من مسؤول أعجب به، أو تطلع لأن يكون مثله.
 
هذه ثلاثة أنماط عامة صنعتها الوظيفة وآزتها المجتمعات التي تبني في كل ريع آية للعبث. وتصنع نُصباً وأصناماً، لتسود عليها، وقد تتولد من هذه الأنماط أنماط فرعية لا مجال لذكرها.
 
والعجيب أن صاحب كل نمط لا يتخلى عن نمطه إذا ترك المنصب، وانخرط في الحياة العامة، بل يبقى مسيطرا عليه، ولا يستطيع التخلص منه حتى لو أن المجتمع تخلى عن دعمه.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد