مؤتمر القمة العربي الثامن والعشرين ورفع اليد عن الجرح الفلسطيني!!

mainThumb

30-03-2017 10:24 AM

ينبغي أن ندرك بأن ما يجري على أرض الواقع ما بين قمة عربية وأخرى يختلف تماماُ عمّا تذهب إليه البيانات الصادرة عن القمم العربية والتي تأتي متكررة في الشكل والمضمون، تجدها على أرض الواقع تتطور باتجاهات تخالف المصالح العربية وفق مصلحة كل قطر عربي الخاصة وعلاقاته النفعية مع دول الجوار العربي.. وهذا الأمر بات جلياً فيما يتعلق تحديداً بتطورات القضية الفلسطينية،كما وأنه تكرر في البند الأول من بيان القمة العربية الثامن والعشرين في دورته العادية الذي أنهى أعماله في منطقة البحر الميت( الأردن) يوم أمس الأربعاء، الموافق 29 من اذار 2017.
 
   فقد تلا الأمين العام لجامعة الدول العربية احمد أبو الغيط، إعلان عمّان في ختام أعمال القمة العربية، والغريب في الأمر أن هذا البيان جاء خلافاً لما تنتهجه بعض الدول المشاركة من سياسات تخالف فيها النوايا ما تعلن عنه المؤتمرات، ففي سياق القضية الفلسطينية مثلاً يؤكد البيان على الاستمرارية في العمل بإعادة إطلاق مفاوضات سلام فلسطينية إسرائيلية جادة وفاعلة تنهي الانسداد السياسي وتسير وفق جدول زمني محدد لإنهاء الصراع على أساس حل الدولتين الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية والذي يشكل السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار. وهذا بحد ذاته غير مقنع، وكأنه وضع للاستهلاك المحلي، فكيف سيجبر هذا البيان الدول التي تتعامل مع الكيان الإسرائيلي من تحت الطاولة على إيقاف هذا التسيب المهدر للحق الفلسطيني من أجل خلق آليات ضاغطة على الكيان الإسرائيلي لفرض بنود هذه التوصية عليه؟ فمثلاً أليس من الأجدى لو كانت هذه التوصيات جادة بالفعل التلويح بوقف معاهدات السلام العربية كوادي عربة وكامب ديفيد وأوسلو من أجل الضغط الفعلي على الكيان الإسرائيلي المتغطرس، وخاصة أن هناك سابقة حدثت قبل ذلك حينما لوح الراحل الملك حسين بإلغاء معاهدة وادي عربة إذا لم يوفر هذا الكيان الترياق اللازم لإنقاذ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل حينما باغته جهاز الموساد الإسرائيلي في محاولة لاغتياله بعمان نهاية القرن الماضي؟ فكيف سنصدق إذن التوصية الأولى المدرجة في هذا البيان بحق القضية الفلسطينية، حيث يعد فيها العرب الحفاظ على أمن الكيان الإسرائيلي مقابل أن يتعهد الأخير بمتابعة المفاوضات السلمية مع الفلسطينيين! بينما يتراكض بعض الزعماء العرب نحو التطبيع المجاني مع هذا المحتل لفلسطين، لا بل أن بعض الدول العربية تقوم بتسويقه كضامن للأمن الخليجي ضد إيران كما يصرح بذلك  ملك البحرين جهاراً نهارا، وماذا لو أخذنا بعين الاعتبار ما يجري من تنسيق لوجستي عربي - كتبت عنه الصحف العالمية وخاصة العبرية منها- مع هذا الكيان والذي وصل إلى حدود لا يستهان بها وخاصة في إطاري الأزمة السورية وما جرى قبل ذلك في حرب غزة بما يعرف بالجرف الصامد؟
 
وعودة إلى البيان إذ شدد في إعلانه الختامي على أن السلام الشامل والدائم هو خيار عربي استراتيجي تجسده مبادرة السلام التي تبنتها جميع الدول العربية في قمة بيروت في العام 2002 ودعمتها منظمة التعاون الإسلامي والتي ما تزال تشكل الخطة الأكثر شمولية وقدرة على تحقيق مصالحة تاريخية تقوم على انسحاب (ما يسمى بإسرائيل) من جميع الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة (!!!!) إلى خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وتضمن معالجة جميع قضايا الوضع النهائي وفي مقدمتها قضية اللاجئين(!!!!) وبالتالي توفر الأمن والقبول والسلام ل"إسرائيل" مع جميع الدول العربية، مشدداً بدوره على الالتزام بالمبادرة المذكورة أعلاه، وعلى التمسك العربي بجميع بنودها كخير سبيل لتحقيق السلام الدائم والشامل. وهذا قفز سياسي سافر عن الحقائق الدامغة ومعطياتها على الأرض، فالمراقب الحصيف لمسيرة السلام الفلسطينية  مع هذا الكيان المرفوض جماهيرياً سيلجم فم أبي الغيط ويعيد إليه بيانه الضحل الذي لا يغني ولا يسمن من جوع. بدلالة فشل معاهدة أوسلو التي تعتبر الخطوة الأهم في أي معاهدة سلام عربية إسرائيلية، حيث أنها ماتت ودفنت منذ عقود حتى أن الطرف الإسرائيلي قام بتصفية كلَّ من وقع عليها من الطرفين: رابين على يد أحد المتطرفين الصهاينة من جهة، والشهيد عرفات على يد العملاء المكشوفين للقاصي والداني من جهة أخرى، لا بل أن الكيان الإسرائيلي ظفر بكل ما يبتغي من طموحات دون الالتزام بأي بند من هذه المعاهدة المشئومة، وحوّل السلطة الفلسطينية من شريك حقيقي للسلام إلى مجرد وكيل أمني يقوم بواجباته في حفظ أمن المستوطنات الإسرائيلية، في إطار حكم ذاتي بل أقل من ذلك، مع حصر الاهتمام فقط  في الرفع من مستوى التنسيق الأمني إلى درجة قيام الكيان الإسرائيلي بفرض التبعية على الجانب الفلسطيني. وهذا الكيان بالطبع لن يكترث بمخرجات مؤتمر عمان لكونه أصبح حليفاً استراتيجيا لعرب الاعتدال في الأزمة السورية ومواجهة داعش، وظفر بمكتسبات تطبيعية من خلال اتفاقية وادي عربة وصلت إلى حد بيعه الغاز الفلسطيني إلى الأردن ومشاركة الأخير في مشروع قناة البحرين الأخطر، وضمان حركة التحرك لشركاته من خلال القانون الذي وافق عليه مجلس النواب السابق في عهد حكومة نسور وما يعرف بقانون الاستثمار الأردني، ناهيك عن الانفتاح الاقتصادي على الفضاء العربي من خلال الاقتصاديْن المصري والأردني، لا بل وصل الأمر بهذا الكيان الطفيلي إلى الانفتاح على بعض دول الخليج العربي كالبحرين على سبيل المثال، وكانت نقطة التلاقي بينهما تكمن في المصالح الأمنية وضمانات الكيان الإسرائيلي لحفظ أمن الخليج العربي إزاء إيران. وليس مستبعداً أن يتمكن هذا الكيان الإسرائيلي من حضور مؤتمرات القمة العربية  المقبلة كمراقب أو عضو كامل الحقوق في جامعة الدول العربية.
 
من هنا لن يجدي نفعاً ما ذهب إليه البيان في رفضه كل الخطوات الإسرائيلية الأحادية التي تستهدف تغيير الحقائق على الأرض وتقوض حل الدولتين ومن ثم مطالبته المجتمع الدولي تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وآخرها قرار مجلس الأمن رقم 2334 عام 2016 والتي تدين الاستيطان ومصادرة الأراضي، كما نؤكد دعمنا مخرجات مؤتمر باريس للسلام في الشرق الأوسط بتاريخ 15 كانون الثاني 2017 والذي جدد التزام المجتمع الدولي بحل الدولتين سبيلاً وحيدا لتحقيق السلام الدائم؛ لأن الكيان الإسرائيلي يدرك مسبقاً بأن المجريات تحت الطاولة هي اللعبة الحقيقية في سياسية التعمية العربية، وهي في تقدم مستمر لصالح الكيان الإسرائيلي المحتل، مقابل ذلك فإن موقف الشعوب العربية بالنسبة لي هي الأهم من خلال رفض الاعتراف الأخلاقي بهذا الكيان والتعامل معه كعدو.. وهذا من جهته يقلق الكيان الصهيوني.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد