الرؤية الملكية للتعليم - إبراهيم محمد العدوان

mainThumb

20-04-2017 10:21 PM

طرح جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه ورقته النقاشية السابعة حول "بناء القدرات البشرية وتطوير العملية التعليمية جوهر نهضة الأمة" .
 
إن المتتبع للظروف التي قد تكون دفعت جلالته أن يطرح هذه الورقة في هذا الظرف بالذات، يرى أن الأحداث المحيطة بالأردن ويتأثر بها العالم بأسره، والتقدم العلمي والمعرفي المتسارعان في العالم، والتقدم التكنولوجي الهائل عوامل مؤثرة في الجو العام الذي أحاط بكتابة هذه الورقة .
 
ويمكن للمطلع على فحوى هذه الورقة أن يخلص إلى مجموعة المحاور الرئيسية، سأعرض لها في مقالي هذا :
 
فأول المحاور هو تركيز جلالته على بناء القدرات البشرية حيث لا يخفى على الداني والقاصي أن الأردن يزهو بثروة بشرية كفؤة، متعلمة، جادَّة، واعية، مدرَّبة ومثابرة، وبالتالي فالاستثمار بهذه الموارد البشرية، هو رأس مال الأردن، والذي أسهم أبناؤه ومنذ ستينيَّات القرن الماضي بنهضة الوطن العربي ولاسيَّما دول الخليج العربي، حيث كانوا مصادر التنوير في هذه المجتمعات .
 
ويرى جلالته ضرورة أن يتسلَّح أبناء الأردن في دارسهم وكلياتهم وجامعاتهم بالمعرفة المتغيرة المتسارعة في العالم وأن يتقنوا أدوات الحصول عليها من خلال وسائلها من إنترنت وتكنولوجيا ولغة عالمية حيَّة .
 
وثاني المحاور التي ركَّزت عليها الورقة النقاشية السابعة ضرورة إيجاد البيئة الحاضنة وتأمين الاحتياجات الضرورية لأبناء الوطن، وهذه مسؤولية الجميع في الوطن، تقوم به كافَّة أجهزة وأذرع الدولة، بكل نشاط وعزيمة حتى يقنع الناس أن هذا الجهد يصبّ في خدمة أبنائهم . 
 
وثالث المحاور التي أشار إليها جلالته هو ديناميكية وحِراك أبناء المجتمع كغيرهم من شعوب العالم وحواراتهم حول التعليم وأثره وتطويره بما يتلاءم ومتطلبات العصر، ويرى جلالته أن هذا الحراك والحوار هما مؤشران إيجابيان على حيوية المجتمع وأهدافه للوصول إلى تعليم كفؤ يقود التفكير الناقد والتحليل المنطقي، بدلاً من التعليم التقليدي الذي توقف عند التلقين، وأصبح من الماضي في المجتمعات المتقدمة في بعض الدول .
 
ورابع المحاور التي تناولتها الورقة النقاشية هو العلاقة بين السياسة والتعليم، ويرى جلالته أن العملية التعليمية يجب أن تكون في منأى عن المناكفات والتجاذبات السياسية في المجتمع لتحقيق مصالح ومطامع شخصية على حساب نهضة الأمة وتعليم أبنائها، إذ أن المتتبع لما يجري من حوارات وندوات ومحاضرات في كثير من المواسم، يرى أن من أدلى بدلوه في هذا المجال قد حاد عن جادَّة الصَّواب في حديثه عن التعليم وتطويره ومؤسساته وكتبه ومناهجه .
 
وخامس المحاور التي ركَّزت عليها الورقة تطوير المناهج، إذ يرى جلالته أن العصر  ومعطياته وتسارع المعرفة فيه وأدواتها، تُحتِّم أن تراجع المؤسسات المعنية بالمناهج في التعليم العام والخاص والجامعي، برامجها دوريًّا وتطوّر هذه المناهج بما يتلاءم ومعطيات العصر بعيدًا عن التجاذبات والمآرب السياسية والشخصية، وبما يتلاءم أيضًا مع الأصالة والحَدَاثة، وأن تُراعي في فلسفتها التعاليم الإسلامية السمحة نابذة العنف والتطرف .
 
والأُمَّة الحيَّة لا يمكن أن تكون مناهج تعليم أبنائها جامدة غير متطوِّرة بما يتلاءم ومُعطيات العصر .
 
وسادس المحاور التي وقفت عندها الورقة النقاشية الملكية، ضرورة الإلمام بلغات عالمية حيَّة أساسيَّة، وامتلاك مهارات التواصل مع الآخرين والاطلاع على ثقافاتهم والسَّير نحو إنتاج المعرفة وتداولها مع المحافظة على اللُّغةِ الأُم لغة القرآن الكريم، اللغة العربية .
 
وسابع المحاور التي تطرقت وأشارت إليها الورقة النقاشية السابعة ومن وجهة نظري كمتخصص في التعليم التقني والمهني والفني، حيث يرى جلالته أنَّ مدارسنا ومعاهدنا المهنية وجامعاتنا يجب أن تكون مختبرات تصنع العقول المفكرة والأيدي العاملة الماهرة والطاقات المنتجة، بحيث تكشف هذه المختبرات ميول الطلبة، وتعمل على صقلها وتدريبها على مهن وحرف تخدم سوق العمل .
 
ولابد في هذا المجال أن أُنوِّه بأنني قد تشرفت بأن أكون عضوًا في اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية لجنة الحاكمية . حيث عملت اللجنة الوطنية في أُطُرِها المختلفة على وضع استراتيجية وطنية لتنمية الموارد البشرية وعلى وجه التحديد تطوير التعليم المهني والآليات التي تخدم هذا النوع من التعليم الذي يريده جلالة الملك المُفدَّى .
 
ولا يمكن لقطاع التعليم المهني والتقني والفني أن ينهض إلا إذا تولَّى الإِشراف عليه ذَوُوا الاختصاص من الكفاءات والقامات العلمية التي تزخر بها جامعاتنا الممتدة على مساحات الوطن بعيدًا عن المحسوبية والتوريث كما حدث ويحدث في ملء شواغر الوظائف العليا في مؤسسات هذا القطاع .
 
إن الورقة النقاشية السابعة التي وضعها جلالته أمام العامة والخاصة في المجتمع هي خارطة طريق أمام المسؤولين في الدولة والذين يقع على عاتقهم ترجمة هذه الرؤى إلى واقع ملموس، للأخذ بالوسائل المتاحة والعمل على تنمية الموارد البشرية وتأهيلها من خلال الدورات والبعثات المتخصصة، وإقامة البُنى التحتية للتعليم في مراحله المختلفة والتي تُحفِّز الطلبة على التعليم والتفكير الناقد للنهوض بالوطن وأبنائه ليكونوا في مصاف أبناء الدول المتقدمة، والحفاظ على منعة الأردن وقوته .
 
 ولا يتأتّى ذلك إلى من خلال أُمَّة واعية متعلِّمة عاملة تقودها نماذج من علمائها ومُفكريها همهم الوطن وبناؤه لا منافعهم الشخصية .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد