آمال وتطلعات الآباء .. هل يحققها الأبناء؟ - د.محمود العمر العمور

mainThumb

23-04-2017 12:38 PM

أي بُني: إن من نعم الله على الإنسان أن يهبه الذرية، وخصوصا الذرية الصالحة. قال تعالى على لسان زكريا عليه السلام: "رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء".

فمنذ أن حملت أمك فيك والسعادة لا تفارقني، والدعاء لك بالصلاح والفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة لا يفارق قلبي ولساني، كنت أجمل هدايا الرب عز وجل إليّ أن قدمت إلى هذه الدنيا، طفلا صغيرا أخاف عليك نسمات الهواء، أطير فرحا بلقائك ومناغاتك وابتساماتك وضحكاتك، واتألم لألمك ومرضك.
 
وتكبر أمام عيني... كم أنا مسرور أنك تستطيع الجلوس، بدأت تزحف وتتنقل عبر البيت من حولي هنا وهناك، ثم بدأت أولى خطواتك بالمشي، ثم تركض من حولي وأنا أطير فرحا كما العصفور يطير حول عش أمه وهي ترقبه وتغني له مغردة، شاكرا الله على أنه وهبني إياك من غير حول ولا قوة مني،  وأسهر الليالي في عملي كي أوفر لك ما تحتاجه من غذاء وكساء، وألقي عليك حنانا ومحبة لا يعلم مقدارها إلا الله.
 
وتكبر... وتكبر لتصبح شابا فتيا وكأني ملكت بك جيشا جرارا من الرجال، أضعك على يمني أميرا، وعلى يساري جنديا، ومن أمامي أريدك ملكا، ومن خلفي أريدك ولدا بارا عطوفا رحيما، قرة عين لي ولوالدتك.
 
أي بني: إعلم أنني أتمنى لك أن تكون أفضل مني في كل شيء، وهذا لا يكون إلا من الوالد لولده، فإن أعطيتك فأعلم أنه الحب والحنان، وإن منعتك فأعلم أنه التربية والتنشأة على أن تكون سيد الرجال.
 
وإن قسوت عليك يوما بضرب أو كلام أو نظرة غضب، فإنما هي لتقويمك، ولشحذك، حتى تكون كالسيف المهند، فالسيف لا بد له من الطرق والشحذ حتى يكون سيفا بتارا، إذا ما سُحب من غمده لمع في الشمس وتلألأ، ترقص به الرجال في الأفراح، وتُضرب به الأعداء في ساحات الوغى فتحقق النصر المؤزر، سيفا إن وضعتك على جنبي أشعر بالأمان، وإن رفعتك على الجدار فخرت بك تزين الدار والمكان.
 
أي بني: أريدك سيد الرجال، ملكا بدينك؛ إلتزاما وطاعة لله ورسوله وثباتا على الحق، أميرا بأخلاقك يشار إليك بالبنان، قائدا بعمل الخير والمعروف ومساعدة الآخرين، فارسا بعلمك ونجاحك وعملك.
 
فأعلم أنك قطعة مني، بل أنت كلي، فإذا ما أعطيتك أعطيت نفسي، وإذا ما حرمتك منعت نفسي، وكم يمنع الإنسان نفسه من أشياء حتى يقومها وتستقيم؟ لا أبخل عليك، ولكن لا أريدك أن تركن فيثني ذلك من عزيمتك، فلا الدهر يستقيم دوما، بل له ارتفاعات وانخفاضات، ولا نعلم ما يخبىء لنا القدر، نسأل الله دوما أن يجعله خيرا ويسرا.
 
أي بني: اعلم بأنه قد اشتد عودك، وأصبحت من الرجال، وبمثل عمرك كان قادة ملكوا الأرض، وقادوا الجيوش، فليكن طموحك كالنجوم اللامعات، وعزيمتك كالجبال الراسيات الشامخات، لا تركن إلى دعة الحياة وراحتها، فهي متقلبة كالبحر؛ تراه حينا ساكنا وحينا عاصفا هائجا، يخبىء في أحشائه لؤلؤا ومرجانا زاهيا، وقرشا قاتلا وأخطبوطا ساما، هذه هي الدنيا، أوصيك فيها بتقوى الله، فمن يتقي الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، وأوصيك فيها بالجد والاجتهاد والعمل، فمن زرع حصد، ومن سار على الدرب وصل.
 
أي بني: أضع على جبينك قبلة، وأزرع في قلبك بذرة، أسقيها بحبي لك، فكن لي ملكا بدينك وأخلاقك وعلمك وعملك، أكن لك خادما بحبي وحناني وكل ما أملك.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد