عقلية المؤامرة الصامت القاتل

mainThumb

24-04-2017 08:02 PM

لا تكاد تشهد حدث سياسي أو اقتصادي في المنطقة العربية أو الإسلامية إلا وتجد التفسير الأكثر سهولة وتسطيحا بان الأمة  تتعرض لمؤامرة وكل شيء مخطط له ، فاحتلال فلسطين مؤامرة ، والثورات العربية  مؤامرة ، والثورات المضادة مؤامرة ، وانهيار أسعار النفط مؤامرة ، وتهديد الغرب  لإيران مؤامرة، واتفاقية الغرب وإيران مؤامرة ...الخ  .... لكن ما هي المؤامرة  وما هي ملامح عقلية المؤامرة ، ولماذا الإغراق في عقلية المؤامرة  وما هي البيئة الحاضنة لعقلية المؤامرة وما هي أثار عقلية المؤامرة .
يمكن تعريف المؤامرة بأنها تدبير مكيدة من قبل دول أو منظمات أو أشخاص بشكل خفي بقصد به إلحاق الضرر والأذى بالآخرين لبواعث الدين أو العرق أو الجنس.
من هذا التعريف يمكن التفريق بين المؤامرة وبين الصراع على المصالح الذي يقوم به بعض الأشخاص أو المنظمات أو الدول من أفعال للتحقيق الأهداف  والمصالح الخاصة بهم  .
(1) البيئة الحاضنة لعقلية المؤامرة .
 
قد توصف البيئة العربية  بأنها البيئة الأكثر خصوبة والبيئة المثالية لاحتضان عقلية المؤامرة والإيمان بها  إذ تنمو وتترعرع في  الظروف التالية : -
ضعف المعرفة  : لا شك بان ضعف المعرفة التعليمية والثقافية هو المحرك الرئيسي لاستنبات عقلية المؤامرة حيث بلغت الأمية في القراءة والكتابة ما نسبته 19% في العالم العربي وهذه النسبة تتضاعف لدى النساء بالمقارنة مع الذكور، في حين تشير الدراسات بان الإنسان العربي لا يقرا  إلا نصف صفحة سنويا  في حين يقرأ الإنسان الغربي حوالي 80 كتاب سنويا ، عند الاطلاع على هذه النسب  تجد التفسير الطبيعي لتفشي عقلية المؤامرة في العالم العربي .
 
التخلف الفكري: لا تكاد تجد  مساهمة حقيقية  للعالم العربي في الفلسفة والفكر الحديث  ، كل العلوم الإنسانية الحديثة والتي هي البنية التحتية لبناء الأمم والحضارات في العصر الحديث منتجات غربية خالصة من الديمقراطية إلى حقوق الإنسان إلى علم الإدارة إلى علم الاجتماع إلى الفلسفة  ...... الخ  وما يقدمه العرب هو تقديس علوم قديمه أنتجها أجدادهم  كانت في وقتها حالة متقدمة إلا أنهم عجزوا عن تطويرها والبناء عليها  ، فمن يعيش على المنتجات الفكرية القديمة  بالتأكيد سيفسر الأحداث وفقا لتلك المعارف والأفكار والفلسفات وستجد عقلية المؤامرة البيئة خصة لتترعرع وتنمو،  فهي حالة تشبه حالة الاعتماد على العلوم الطبية القديمة في معالجة  الأمراض التي تظهر حديثا فلا شك بان تلك العلوم تعتبر أشبه بالشعوذة الطبية التي لا تطبب علة بالمقارنة مع علوم الطب الحديث .
 
الاستبداد  السياسي : يكاد يسمى الاستبداد  السياسي بابو عقلية المؤامرة أو الرحم الولود لها إذا أن الاستبداد وانعدام الأفق السياسي وما يفرزه من أثار على الحياة السياسية  تكون الحاضنة الرئيسية لعقلية المؤامرة .
 
 
(2) لماذا يتمسكون بفكرة المؤامرة  ؟
 
لا شك بان فكرة وجود المؤامرة  ملاذ جيد  للأمم والأنظمة والأحزاب والنخب والإفراد وذلك لـ :-
 
التبرير ، فعقلية المؤامرة  ضرورة لتبرير العجز والفشل  وتبرير التواكل والكسل  وتبرير الانكسارات والهزائم  فهي اقرب شماعة يمكن أن تلقي عليها الأنظمة والشعوب والأحزاب  فشلها وتقصيرها ، فأسهل طريقة للتنصل من تحمل المسؤولية هو الاحتماء بدرع وتبرير المؤامرة .
 
 
التبرؤ : عقلية المؤامرة ضرورة مهمة للشعوب والأنظمة للتخلص من أثار الممارسات التي تنتج حالات شاذة  كما حصل مع داعش  فمثلا الاحتماء بعقلية المؤامرة  من قبل الأنظمة المستبدة  الأحزاب والتجمعات  الإسلامية للتبرؤ من ظاهرة داعش كان أسهل طريق للخلاص من هذا المولود  الشاذ وإفرازات الظروف السياسية  المستبدة والأفكار التي أنتجت داعش والتي انبتتها الأيدلوجيات الإسلامية واحتضنها لعقود من الزمن  ، التبرؤ واتهام الخصم  بأنه المسئول عن ميلاد هذا المنتج الشاذ وتعليل الظاهرة بأنه مؤامرة  فهو الطريق الأقل كلفة والأسهل للتملص من المسؤولية .
 
تضخم الأنا : عقلية المؤامرة  ضرورة لإشباع الأنا لدى الأنظمة والنخب والأحزاب  فالشعور  بالاستهداف  والظهور بمظهر البطل المهم الذي تحوم حوله الخصوم والمؤامرات فمثلا  النظام السوري ينطلق من تضخم الأنا في تبرير كل جرائمه بحق الشعب السوري لاعتقاده بأنه مستهدف  كونه حامي الحق العروبي ويمثل محور الممانعة في وجه المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة ....الخ  كذلك الأمر ينطبق على بعض النخب المعارضة التي  يكتب  بعض أفرادها بأنه مراقب وان ما يظهر بجهاز هاتفه يدلل انه مراقب  أو مطارد من الأجهزة الأمنية....الخ تضخم الأنا باعث مهم من بواعث  العيش  بعقلية المؤامرة 
 
تضخم الشعور  بالفهم  : دائما المؤمنون بعقلية المؤامرة يحاولون أن يفسروا الأحداث الطبيعية على أنها  صدا  وصورة معكوسة لواقع مخفي وهم وحدهم القادرين على اكتشاف هذا الواقع وفهمه ، وان الحيل لا تنطلي عليه فنجد مثل هذه التفسيرات بان داعش مؤامرة لضرب صورة الإسلام وان أحداث سبتمبر مؤامرة أمريكية  لاحتلال العراق وأفغانستان مع أن أمريكا كانت وتستطيع احتلال العراق وأفغانستان دون أن يكون لها مثل هذه الخسارات وان الثورات العربية مؤامرة لابتزاز الحكام  وان الثورات المضادة مؤامرة لإبعاد القوى الإسلامية وان كل ما يحدث في العالم هو  تنفيذ لمخطط ما ترسمه الحكومة الخفية التي تحكم العالم  هكذا أفكار وتفسيرات لا توجد إلا في منطق أهل الخيال والمتضخمين بشعور الفهم مع أن كل تلك الأحداث للمدققين في تفاصيلها  سيجدها سياق طبيعي للأخطاء التي ترتكب من قبل من وقع عليهم الضرر .
 
 
(3) الآثار المترتبة على عقلية المؤامرة 
 
لا شك بان استحضار الدائم لعقلية المؤامرة في عقول الأنظمة والنخب والأحزاب  له أثار مدمرة على الدول والأحزاب  وتطورات الحياة السياسية وتتمثل تلك الإخطار بالتالي :- 
 
سهولة التبرير والتخلص من المسؤولية وعدم المحاسبة وتصحيح المسير  مما يعني أن الأخطاء لن تصحح وان من ارتكبها يبقى في مراكز صنع القرار لان تبرير ما حدث  هو  وجود مؤامرة خارجية قاهرة لا يد لأحد بها ألا العالم الخفي الغير محسوس  .
 
الاستمتاع بدور الضحية  فعقلية المؤامرة  تصنع من الأخطاء  مكاسب ومن  المخطئين ضحايا  فسيتمتع أهل الخطأ بإخفاقهم ويتلذذون بدور الضحية  ويستمتعون بإظهار معاناتهم والمهم وأوجاعهم وهو ما يصطلح على تسميته بالألم المرغوب  كمخرج جيد  من تحمل المسؤولية  والظهور بمظهر أهل التضحية والبطولة  والصمود  وحمل مشاعل الصبر أمام الأجيال القادمة  فيكافئ المخطئ ويصنع منه بطلا  ونموذج شجاع 
 
وقف التطور واستمرار حالة العجز الفشل ، عقلية المؤامرة  اخطر ما بها أنها تقنع الفشلة بان الطريق صحيح إلا أن  المؤامرة من أفشلهم فلذلك تتكرر ذات الممارسات ويحصلوا مجددا على ذات النكبات والنكسات وفي كل مرة تستحضر عقلية المؤامرة للتنصل من المسؤولية وهكذا يستمر الدوران في دائرة العجز والفشل لعقود وقد تمتد لقرون 
 
ارتهان العقول للشك وفقدان الثقة في كل شيء فيفقد الثقة بأي حدث مستجد فتجد الشعوب فاقدة الثقة بالأحزاب  والأنظمة  والنخب  لأنه أصبحت مقتنعة بان كل شيء مدبر ومرتب من القوى الخفية  فتصل الأمور إلى مرحلة التبلد  ، فالمقاومات يشكك بها وتصبح  نمط غير اعتيادي للعمالة في نظر الشعوب والأحزاب تصبح اطر للتكسب  والأنظمة  تصبح لدى الشعوب عملاء بمرتبة رؤساء  والثورات مؤامرات للقضاء على مقدرات الأمة  فسيطرة عقلية المؤامرة يعني جمود الأمة وتكبيلها عن أحداث أي خدش في ردم البلادة والفشل الذي  يسيطر على الأمة منذ زمن طويل 
 
 
الغريب في المنطقة العربية أن جميع الأطراف المتصارع تعتبر ما يحدث لها مؤامرة  فالأنظمة اعتبرت  الثورات العربية  مؤامرة  غربية عليها  والمعارضات اعتبرت الثورات المضادة مؤامرة غربية عليها ، لكن الحقيقة ليس هناك مؤامرة لا على الأنظمة  التي فشلت في الانتقال نحو النموذج السياسي الحديث وكانت دكتاتوريات  ولا  مؤامرة ضد ثورات الربيع العربي  لان النخب التي وصلت للحكم لم تكن على مستوى الحدث وكانت تتصرف بعقليات سياسية طفولية وتريد أن تدير الدول بمنطق التنظيمات والميليشيات العسكرية .
 
 
هذا السطور قد لا تقنع  البعض  وتذهب أدراج الرياح أمام استدلال بقول سياسي غربي قاله قبل مئات السنين ينادي بالقضاء على الأمة العربية أو الإسلامية  لان العاجز  سبقه عجزه النفسي قبل عجز قدراته والمهزوم نفسيا  لن تستطيع أن تساعده ما لم ينهض ويساعد نفسه قبل الآخرين .
 
Odat.mohammad@gmail.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد