ماذا يحدث في تركيا‎؟

mainThumb

28-04-2017 07:52 PM

 لا تقبل أوروبا أن تتغير الأوضاع السياسية التي فرضتها بعد الحرب العالمية الأولى على العالم العربي والاسلامي، بعد هزيمة الدولة العثمانية، واحتلالها فعليا من قوات الحلفاء، كما أنها لا تقبل أن تتحرر الدول التي صنعتها في جسم الدولة العثمانية وربطتها بمعاهدات تحجّمها وتجعل منها دولا فاشلة لا تقوم بذاتها، لتبقى عالة على الدول الكبرى التي رحلت جيوشها شكلا، لكنها تحتفظ بعملاء لها في الجيش وأجهزة الدولة وفي النظام ككل، ينفذون مخططاتها بادامة الفشل وعدم النهوض، والسيطرة على مقدرات الشعب وإفقاره.

 
لذلك كل الدول التي هزمت في الحرب الثانية مربوطة بمعاهدات طويلة الأجل تبقيها ضعيفة، وبنود هذه المعاهدات متعلقة بالجيش وعدده، والأقليات في جسم الدولة، والحدود، والصناعة الحربية، وما زالت هذه الدول تعاني تحت سيف الدول المنتصرة "بريطانيا وفرنسا وأميركا"، فاليابان وألمانيا ما زالتا تحت المطرقة رغم التقدم الصناعي والقوة الاقتصادية فيهما، وإن كانت تنفست قليلا! لكن دولة مثل تركيا التي ورثت السلطنة العثمانية فالأمر مختلف! فهي على حدود أوروبا، وتخاف أوروبا أن تعود تركيا الى تاريخها وتتطلع الى استعادته لتصبح دولة كبرى وإن لم تكن تحمل عقيدة الدولة العثمانية، لتقدم نموذجا مغايرا عما كرسته الدول الأوروبية المنتصرة، مما يجعلها متكأ لبعض الدول في العالم العربي، اذا ما تحررت شعوبها وتنسمت رياح العزة والكرامة، عندها يختل النظام الدولي الذي فرضه الاستعمار الأوروبي ويبدأ انهيار منظومته، وتنتهي سيطرته.
 
والظاهر أن بعض الدول الكبرى التي ما زالت تزاحم أوروبا لمشاركتها في الكعكة التي حصلت عليها بعد الحرب العالمية الأولى دون جدوى- رغم افتعال الحروب وشراء العملاء- كأميركا وروسيا، أقول إنها تتغاضى عن استرداد تركيا عافيتها، كما فعلت جزئيا ألمانيا، لتكون دولة ضاغطة على حدود أوروبا، لتجردها من نفوذها، وطردها من مستعمراتها التي سيطرت عليها، ومنعت الدول الفاعلة في الموقف الدولي من حصتها الحقيقية حسب دورها في الحرب الثانية. فأميركا تحاول السيطرة على مستعمرات بريطانيا وفرنسا في آسيا وأفريقيا منذ منتصف القرن العشرين لكنها فشلت.
 
مهم للعرب في طريق التحرر من الأوضاع التي فرضتها هزيمة الدولة العثمانية في الحرب الأولى، أن تكون هناك دولة مستقلة وقوية تساندها اذا ما وصل الى السلطة فيها رجال أقوياء واعون لما يحاك ضد شعوبهم من مؤامرات، ويسعون للاستقلال الحقيقي عن بريطانيا وفرنسا، ويأخذون موقعهم في النظام الدولي.
 
لن تسكت أوروبا عن ما يحصل في تركيا، للتخلص من قيودها التي كبلتها بها بريطانيا عن طريق المعاهدات التي فرضتها عليها بعد الهزيمة، وستحاول عن طريق دعاوى الديمقراطية، والدفاع عن الأقليات والتعدد، لإجهاض التجربة التركية، وإعادتها للحظيرة إن استطاعت! ولكن الصرعات الدولية وتضارب المصالح، ووعي الدبلوماسية التركية الواثقة، قد تجنبها مؤامرات أوروبا وتتخلص من التبعية والفشل، وتعود دولة لها سيادتها وفاعلة في الموقف الدولي، ليصبح ميزان القوى ليس في صالح أوروبا المستعمرة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد